تجلسان بمفردهما على كرسيين داخل إحدى المستشفيات، أعينهما تراقب تحركات المرضى والأطباء في حيرة وحذر وخوف أيضا، أما عقلهما فهو لا يستوعب أي شيء مما يدور حولهما وكل ما ترغبان به هو العودة إلى حضن والدهما ووالدتهما الدافئ واللعب بالدمى والألعاب المفضلة الأخرى، هذا هو حال طفلتين صغيرتين تبلغان من العمر نحو 3 أو 4 سنوات، تركهما والدهما ومعهما رسالة يعتذر فيها عما فعله، ويطلب منهما مسامحته ليرتكب أقسى جريمة يمكن للبشر فعلها، ويعلق مبرراته على شماعة ظروف المعيشة الواهية.
الجريمة السابقة بطلها أب سوري، تغلب عليه الشيطان وأغواه بالتخلي عن طفليته، ليتركهما وحيدتين على كرسي مستشفى «المواساة» بالعاصمة دمشق، ومعهما رسالة يشرح فيها السبب الذي دفعه لهذا التصرف، ليعثر عليهما طبيب يدعى سعيد جاويش، ويوثق المشهد الحزين غير مصدق تغلب الشيطان على غريزة الأبوة، ليجبر الأب على ترك وردتين في عمر الزهور في مثل هذه الظروف، وفقا لما ذكرته قناة «العربية».
«لم أفهم من الرسالة شيئا، سوى هذا المقطع المكتوب على خلفية الورقة بأن الطفلتين بحاجة إلى طعام و ماء ولم يتناولا شيئا منذ فترة طويلة، ويرجو منهما أن تسامحانه».. بتلك الكلمات يحكي «سعيد» الموقف العصيب والمأساوي الذي مر عليه، عبر صفحته على «فيس بوك»، حيث شاهد الطفلتين أثناء نوبة عمله في المستشفى بعدما هرب الأب، ولم يتخيل أن أحدا يمكنه فعل ذلك، «المنظر الحقيقة كان مفجعاً لا يمكن وصفه أبدا».
على الفور تحركت مشاعر الطبيب ليرعى الطفلتين ويتكفل بهما، ثم توجه إلى قسم شرطة «المزة» القريب من المستشفى، وبعد ذلك إلى مستشفى «الرازي» للرعاية الصحية والغذائية وغيره، على أمل أن يهدي الله الأب فيتعظ ويدرك خطورة ما فعله بحق نفسه وبناته.
وأثارت صورة الطفلتين، العطف في قلوب الكثيرين، بعدما نشر «سعيد» ما حدث عبر صفحته بموقع التواصل «فيس بوك»، ليعرضوا الرعاية وتعهّدوا بتأمين عمل للأب في حال قرّر العودة وعدم التخلي عن طفلتيه، إلا أن الأخير اعتذر بأن الطفلتين بالفعل تحت رعاية الشرطة إلى حين تسليمهما للأب، «وصلني كتير من الرسائل من دبي والرياض وعواصم مختلفة تعرض المساعدة المادية لكن اعتذرنا عنها جميعا وشكرنا ذوي النفوس الطيبة لأن الطفلتين بوقتها تم تسليمهم لقسم المزة».
وعن مصير الطفلتين حاليا، أوضح «سعيد» في منشور آخر أنهما حاليا في حضن الأب، إذ تم التواصل مع الوالد من قبل أناس محترمين وإيجاد صيغة لتأمين البنات وإعادتهما إليه وتأمين عمل له، وأنه اضطر لتركهما بسبب أوضاعه المالية المتردية وانفصاله عن زوجته كونه يسكن في غرفة صغيرة، «أعتقد أنه هذا هو الدور الإيجابي الذي يجب أن تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي، كان عندي الجرأة لأكون أول من ينشر الموضوع، والحمد لله لاقى ذلك نتيجة إيجابية انعكست في إنقاذ حياة ومستقبل هاتين الطفلتين، حيث اعتذر الأب وأكد أنه نادما على فعل وكان يائسا».
تعليقات الفيسبوك