"كان مُنايا وربنا حققه".. بهذه الكلمات بدأ الضيف الجديد الذي حلَّ على مران النادي الأهلي بملعب مختار التتش، أمس، حديثه لـ"الوطن"، معتبرا إياه حلما عزَّ تحقيقه، لكن مهارة الصغير كانت أقوى فاستطاعت أن تقنع المارد الأحمر كما خطفت قلوب كل من شاهد مداعبة إبراهيم محمد محيسن،13 سنة، للكرة بحرفية عالية، فانضم أخيرا للنادي الذي عشقه.
بين لاعبي النادي الأهلي أمس كان ابن الشرقية حاضرا، مستعرضا مهاراته، مرتديا ملابسهم التي حلم بها كثيرا، يسارع كل لاعب كي يلتقط معه صورة ويشجعه، ليحظى بتحقيق حلم من أحلامه، بدأه معتمدا على نفسه حتى تحمس له محمد أبو شوشة، المدرب القروي هو الآخر، فدرَّبه مع فريق كفر أيوب "قرية مجاور" كمهاجم قد يحرز ثلاثة أهداف في المباراة الواحدة: "استقبلوني حلو وقالولي إنت معانا وهتيجي هنا على طول ولبست طقم الأهلي، كان نفسي أشوف الشناوي وكابتن محمد محمود لعب معايا كتير"، مضيفا "الحمد لله فرحوني وفرحوا أمي وأبويا.. مكنتش مصدق لحد ما روحت هناك".
بمجرد أن ترى عينيه الكرة وتلمسها قدمه، لن تستطع قدم أخرى أن تنال منها، يظل يداعبها بين قدميه "ينططتها" حتى ينسى متابعوه، في ملعب قرية العدلية بمركز بلبيس بالشرقية، عدد مرات "تنطيطه" لها، ليلقب إبراهيم، ذو الوجه البشوش بـ"فخر الشرقية"، رغم تعرضه لحادث منذ 8 أعوام أفقده ذراعه الأيسر كاملا وبتر ذراعه الأيمن حتى الكوع.
والد إبراهيم: ابني عنده مهارة ومواهب وذكاء ربنا عوضه بيهم بعد حادثة كشك الكهرباء
ولد إبراهيم بحب الكرة، وفقد ذراعيه بحب الكرة، ونال إعجاب وتقدير الجميع بحبه لها وحبهم لكل من يعطيها حقها، فمنذ تعلم المشي ينقلها بين قدميه بخفة، حتى كان عامه الرابع، وأثناء اللعب، غابت عنه الكرة في غيابات كشك كهرباء مفتوح نتيجة إهمال، أسفر ذلك عن بتر ذراعه الأيسر كله وبتر ذراعه الأيمن إلى منطقة ما بعد الكوع، وإصابة بالرأس أفقدته إحدى عظامها، ليجري الطفل 5 عمليات بين بتر وترقيع في 3 أشهر، ويعود مرة أخرى للساحرة المستديرة التي عشقها.
مهارة جسدية تثقلها إبداعات فنية أخرى، عندما تتناوب على أقدام "المهاجم الصغير" الألوان الخشبية، ليبدع لوحة فنية طبق الأصل، لتثبت أن مواهب إبراهيم لم تقف عند حد قدرات الجسد وإنما تجاوزت إلى الإبداع الروحي، ويكتمل المثلث بإبداع عقلي بالتفوق الدراسي، فرغم عدم قبوله في 5 مدارس ابتدائية بقريته، أصر والده على البحث في مدارس القرى المحيطة حتى تمكن من التواصل مع المسئولين بمديرية التربية والتعليم وبالفعل التحق ابن "العدلية" بقرية تبعد عن منزله بنحو 5 كيلو مترات يصطحبه والده أو والدته إليها عبر التنقل بين المواصلات، فقضى به عامه الأول والتحق في الأعوام الخمس التالية من المرحلة الابتدائية بقرية أقرب نوعًا ما، ليُنهي الفنان المرحلة بتفوق ويرغم مدارس قريته على قبوله في المرحلة الإعدادية.
إبراهيم محيسن: الكورة بتفرحني وبتسعد اللي حواليا
"لازم يتعلم زي أخواته الخمسة الكبار، فضلت سنة كاملة بين المسؤولين عشان ألاقي فرصة ليه في مدرسة يحقق ذاته.. دخل المدرسة متأخر لكن الحمد لله أثبت تفوقه"، وذلك بحسب حديث والد إبراهيم لـ"الوطن"، مُضيفًا أنه لم يستشعر خوفا على نجله بعد الحادثة من لعب الكرة، فقد أغناه حبه وولعه بها عن الخوف، فهو أيضا كان يعشقها في مثل سنه، ورغم بلوغ محمد محيسن سن المعاش من العمل مبكرا نتيجة حادث أودى بإحدى عينيه، إلا أنه يحرص على دعم نجله: "لازم يبقى عنده كورة على طول واشتري اللبس اللي بيحتاجه والألوان والرسم.. ربنا وهب إبراهيم مهارة وذكاء وموهبة يبقى نساعده وندعمه يحقق اللي هو شاطر فيه".
إبراهيم محيسن: نفسي أبقى زي محمد صلاح وبحلم بهندسة البترول
وحول بساط المائدة المستديرة، يتجمع أهل "العدلية" فقط عندما يبدأ إبراهيم "تنطيط" الكرة بين قدميه، لينتبه الجميع لمتابعة عرض مهاري من الدرجة الأولى، حتى وصل الأمر أن ظلت قدمي إبراهيم تتناوب الكرة دون أن تلمس الأرض 850 مرة.
لم يمل ولم يكل إلا بعد أن طلب أحد المشاهدين منه أن يستريح، معطيا إياه كوب مياه كي يروي ظمأه، ليختتم الهداف الصغير حديثه "لما الناس بتفرح ده بيسعدني ولما الراجل اللي نزل ده قالي فخر ليا إنك تشرب من إيدي كنت فرحان جدا.. نفسي أبقى مهندس بترول وأتعلم الرسم أكتر وأبقى زي محمد صلاح فخر العرب وأرفع اسم المنتخب".
تعليقات الفيسبوك