«أنجا» مع أطفال «أرض الأمل»
القصص الملهمة تملأ العالم، وأكثرها تأثيرا تلك التي يصبح بطلها مصدرا لحياة أشخاص، ليس له صلة بهم أو رابط، ودفعته إنسانيته فقط إلى أن ينتشل من يراه في مستنقع موت إلى حياة نابضة، ومن هذه القصص، حكاية «أنجا رينجرين لوفين»، تلك المرأة الدنماركية التي تركت وطنها الراقي، وقصدت أرض القارة السمراء لتنقذ أطفالها من أنياب الجوع والعادات الشعبية القاتلة، المليئة بالخرافات والشعوذة.
حكت «أنجا رينجرين لوفين»، لـ«الوطن»، حكايتها المليئة بالعثرات والنجاحات، ونشاطها الإنساني الملهم في بقع كثيرة من القارة السمراء التي يكاد يكون أهلها منسيين تماما، وبداية حديثها كان عن نشأتها، التي لم تكن عادية بالطبع، لأنها كبرت في أحضان أمها ومع أختها التوأم وأختها الكبرى، بعدما طلق أبوها، الذي كان مدمنا على الكحول، أمها، وهي في سن الـ3: «عملت أمي في دار للمسنين، ودائمًا ما تحدثت معي عن المساواة وحقوق الإنسان، وأخبرتني أنه من المهم رعاية المحتاجين، وأعطتني كل أدوات الصدقة والرحمة وتحمل مسؤولية الفقراء والضعفاء في المجتمع».
تأثير الأم على ابنتها لم يكن عاديا، بل دفعها لعبور القارات «كانت تتحدث أمي في كثير من الأحيان عن الأطفال الأفارقة الذين يعانون من الجوع ويعيشون في فقر مدقع، تميزت بأنها امرأة قوية ومستقلة ونشطة للغاية في المجتمع، ساعدت الكثير من الناس، وأحبها الكثيرون، لذلك، منذ سن مبكرة جدًا، طورت والدتي بداخلي شغفًا قويًا للغاية بإحداث تأثير في المجتمع، وكان اهتمامي الأكبر هو الأطفال الأفارقة، لأن هؤلاء الأطفال هم الذين تحدثت أمي دائمًا عنهم».
«أنجا» اختارت أفريقيا مسرحا لعملها الإنساني بسبب أمها
قد يبدو غريبا أن تترك «أنجا» المجتمع الراقي المتحضر الذي نشأت فيه في الدنمارك لتذهب إلى صحراء أفريقيا القاسية حتى على أهلها، ولكنه كان حلمها منذ طفولتها: «وأنا طفلة صغيرة حلمت بالحياة في قرية أفريقية واللعب مع الأطفال الأفارقة، وعلمي بأنهم لا يستطيعون الوصول إلى الطعام كان يزيد رغبتي في الذهاب إلى هناك، وكنت أنا وأختي التوأم نتحدث كثيرًا عن كيف يمكننا إرسال الطعام للأطفال في إفريقيا».
والدة «أنجا» ماتت بسبب السرطان وعمرها 23 سنة، عندها اعتصرتها آلام رهيبة احتاجت بعدها إلى أن تجد معنى لوجودها بالكامل، على حد وصفها، «أمي كانت مركز حياتي ومصدر قوتي ومرشدي، ورحيلها دفعني إلى اليأس، وعندها زالت أحلامي عن أفريقيا، لكنني أصبحت أقوى على مر السنين، لأن أمي علمتني ألا أستسلم أبدًا، وفي عام 2011 قررت أن أتبع حلمي القديم».

عندما استردت «أنجا لوفين» نفسها القديمة، تركت عملها وباعت كل متعلقاتها في الدنمارك «جعلت نفسي بلا مأوى في الدنمارك لأحقق أحلامي في أفريقيا، وبعدما أنجزت أعمالا إنسانية في ملاوي ثم في تنزانيا لاحقًا، أسست منظمتي الخاصة، المعروفة اليوم باسم Land of Hope (أرض الأمل)، في نيجيرا بولاية أكوا إيبوم حيث أعيش حاليا مع زوجي».
الدافع الأقوى لوجود «أنجا» في أفريقيا فيلم وثائقي
في عام 2008، قبل 4 سنوات من تأسيس «أرض الأمل»، شاهدت «أنجا» فيلمًا وثائقيًا مرعبًا عن الخرافات في نيجيريا، كان هو المحفز الأعظم الذي أحيا أحلامها القديمة عن أفريقيا: «شعرت بالصدمة عندما علمت أن الأطفال يُحرقون أحياء ويُعذبون حتى الموت لمجرد اتهامهم بأنهم سحرة، أحسست بالرعب وفي نفس الوقت فوجئت لأنه لم يبد أن أحدًا في العالم يأخذ الأمر على محمل الجد، لم يتحدث أي من قادة العالم عن حقيقة أن حوالي 10 آلاف طفل كل عام في نيجيريا يُتهمون بخرافات تؤدي إلى تعذيبهم وقتل آلاف منهم، لذا قررت أن أمنح الأطفال في نيجيريا صوتًا يُسْمع إليه وإضفاء المزيد من الوعي بالخرافات».
في اعتقاد «أنجا» الجوهري: «كل طفل هو إنسان له حقوق مصونة»، لذلك ابتكرت «أرض الأمل» التي صارت سلاحا يحارب الاتهامات الموجهة للأطفال بأنهم سحرة وتعذيبهم ونبذهم وقتل آلاف منهم «ننقذ الأطفال الأبرياء المتهمين بالسحر من الإقصاء والتعذيب والموت، ونقدم الرعاية والحماية والتعليم للأطفال وتثقيف المجتمعات المحيطة بهم، ونضع الأساس لمستقبل، حيث يكبر الأطفال ليكونوا أفراداً مستقلين ونشطين واجتماعيين يساهمون في تنمية مجتمعهم».
«أنجا» تعشق رجلا نيجيريا وتتزوجه وتنجب ابنا

تعلق «أنجا» بأفريقيا أثر كثيرا في حياتها بالكامل، وغير أنها تركت وطنها واستقرت هناك لتمارس العمل الإنساني بشكل مختلف، قلبها لم يدق ويعشق إلا من هناك أيضا، وعندما قررت الزواج، ارتبطت بشاب نيجيري يحمل نفس قلبها الطيب: «قابلت شابا يدعى ديفيد إيمانويل أوميم في نيجيريا عام 2013، كان طالبًا في القانون ومستشارًا قانونيًا لمنظمة تساعد الأطفال المتهمين بممارسة السحر، وعندها كان أنقذ بالفعل أكثر من 100 طفل وناشط في مجال حقوق الطفل، وقعت في حبه وتزوجته وأنجبنا ابننا في 2014، وبنينا معًا أكبر مركز للأطفال في غرب أفريقيا، وأنشأنا مستشفى للأطفال ومدارس وقدمنا لقاحات ودعمنا أكثر من 100 أرملة».
حكاية أشهر صورة لـ«أنجا».. كواليس اللقطة التي لفت العالم
أكثر نقطة مضيئة في عمل «أنجا» الإنساني لمعت عام 2016، من صورة «تجعل الحجر ينطق»، كما يصفها رواد «السوشيال ميديا»، انتشرت في الصحف الأجنبية وكل مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها المرأة الدنماركية وطفل نيجيري في حالة يرثى لها، ورغم أنها منذ أكثر من 5 سنوات، لا ينساها الناس كعادتهم مع معظم الأشياء، ولا تزال يُضرب بها المثل في الرحمة والشعور بالآخرين.

صورة «أنجا» مع الصبي أهَّلتها لكي تحصل على لقب أكثر شخصية ملهمة في العالم وقتها، من مجلة «التايمز» العالمية، والآن، وبعد 5 سنوات من التقاط هذه الصورة مع الولد الصغير، صار مختلفا تماما، وتقول عنه: «إنه يقوم بعمل رائع، صار قويا جدا وبصحة جيدة، يذهب إلى المدرسة كل يوم ويحبها، إنه مبدع للغاية ويحب الرسم وصنع الأعمال الفنية، يعيش في مركز الأطفال في أرض الأمل مع 80 طفلاً آخرين وأنا وزوجي ديفيد أيضًا».
تعليقات الفيسبوك