احتفال "ميريم" بتخرجها مع عائلتها في أحد المولات التجارية كان وقتًا رائعًا حافلًا باللحظات التي لا تُنسى، حتى قطعتها ابنة الـ18 عامًا، ملبية دعوة صديقتها في الذهاب لتناول السوشي، برفقة صديق ثالث اصطحبهم في سيارته، وفي منتصف الطريق وقع الحادث، الذي نجت منه "ميريم" بمعجزة بعدما دخلت في غيبوبة استيقظت منها بعد شهرين، عادت كأنها ولدت من جديد.
انقلبت بها السيارة فطار جسدها واصطدم رأسها بلوحة على الطريق
انقلاب السيارة ألقى بـ"ميريم" في الهواء تطاير جسدها واصطدمت رأسها بلوحة إعلانية على الطريق أسقطتها على ظهرها، مشهد ربما يتكرر حدوثه في أفلام "الأكشن"، انقلبت الدنيا رأسًا على عقب، حضرت والدة ميريم لموقع الحادث، بعدما تلقت مكالمة هاتفية أن ابنتها في حالة إغماء.
استشعرت الأم "رشا جورج"، القلق، وحين حضرت وجدت جسد ابنتها ساكنًا وسط دماء، لم تدرك مصدرها، ظلت تكذب ما رأته أعينها، فقط هو كابوس مزعج تقاومه للاستيقاظ، تعالت أصوات سيارة الإسعاف ومازالت الأم تشعر بأنها تشاهد فيلم خيالي: "كنت برا الدنيا.. مش مصدقة أن دي بنتي"، هكذا تحدثت عبر الهاتف.

استقرت سيارة الإسعاف بإحدي المستشفيات، حالة الاستنفار دبت بين الأطباء، فالفتاة بالنسبة إليهم في لحظاتها الأخيرة: "قالولي دي بتتوفى.. مخها كان طالع برا الجمجمة والفقرة الأولى في العنق كانت اتكسرت.. ودي الفقرة المسئولة عن النفس.. بيتعاملوا على أنها ماتت".
السفر لألمانيا حل رآه أطباء، عارضهم آخر بالرفض: "قالي بنتك مش هتلحق تسافر.. لازم عمليات حالًا"، مجموعة من العمليات المعقدة، كان على الفتاة أن تخوضها، رغم النسبة الضئيلة لنجاحها، البداية من الرأس، فهي أولى العمليات: "حطوا رقبتها في قفص زجاجي عشان مينفعش تتحرك خلال العملية.. وبعد كدا عملوا العملية في رقبتها عشان الحركة".

على مدار 3 أيام من العمليات المعقدة، حاول خلالها الأطباء لململة جسد "ميريم" في وضعه الصحيح، اضطروا وقتها حلق شعر رأسها كاملًا، للتمكن من إعادة المخ داخل الجمجمة: "كانت أكتر عملية معقدة.. خاصة أن النص اليمين من المخ كان مدمر".
أيام مرت كأنها سنوات عجاف على الأم، التي رأت ابنتها تصارع الموت وحدها، فهي صديقتها المقربة تشاركها تفاصيل يومها: "هي بنتي الوحيدة وكل حاجة بنعملها سوا.. مكنتش مستوعبة اللي بيحصل".
أنهت "ميريم" عملياتها المعقدة، واستقر جسدها في غيبوبة تامة داخل إحدى الغرف المركزة، بينما دارت أحاديث الأطباء حول استحالة عودتها للحياة كما كانت: "أكتر جملة مؤلمة كنت بسمعها بنتك مش هترجع اللي أنتي عارفها".

تمسكت "رشا" بالكتاب المقدس واستبشرت بالقديسة مارينا الناسكة فوضعت قطعة قماش تحمل اسمها بجانب ابنتها النائمة، فعلى مدار أكثر من أسبوعين لم تستجب "ميريم" لأي مؤثرات خارجية، بينما حاول الأطباء استكمال رحلة العلاج المتعسر: "كان عندها خلع في الكتف الأيمن وكمان شرخ في العين.. غير العدوى اللي كل شوية تجلها".
حالة ميئوس من شفائها فهو اعتقاد الأطباء، تقابله الأسرة بالصلاة والدعاء لابنتهم، طيلة مكوث "ميريم" في الغيبوبة، علت صوت الترانيم داخل الغرفة، بالإضافة إلى أغانيها المفضلة، وحديث والدتها، التي تركت منزلهم بمصر الجديدة، وفضلت الجلوس برفقة ابنتها تخبرها عن ذكرياتهم سويًا وخطط مستقبلية تنتظر إيقاظها حتى تحققها.
إشارات بسيطة أعطتها "ميريم" حملت الأمل من جديد: "ساعات عينها تفتح.. مكنش التفاعل قوي لكن أي أمل أعيش عليه" استقرار الحالة سمح لها الخروج من العناية المركزة، والمبيت في غرفة عادية، وقتها نقلت الأم حياتها برفقة ابنتها: "فضلت أراقب كل حركاتها.. وشوية بشوية كانت بتستجيب".
عقب قرابة الشهرين تحققت المعجزة، صوت البكاء بدأ يعلو شيئًا فشيء هكذا أنذرت "ميريم" بعودتها من العالم الآخر، استيقظت الفتاة من الغيبوبة، تجد نفسها في وضع لم تحسد عليه، فمن الطالبة التي تستعد للالتحاق بالجامعة الأمريكية، للفتاة التي لم تقو على الحركة متحسسة الإصابات المحفورة في جسدها: "حياتي كلها اتشقلبت.. كأني اتولدت من جديد.. كل حاجة كنت لسة بتعملها من جديد" كلمات قليلة اكتفت بها "ميريم" للتعبير عما آلمت به.
غادرت "ميريم" المستشفى بعد 3 أشهر ونصف، من الاقتراب لحافة الموت، متبعة العلاج التأهيلي، بعدما تأثر مركز الاتزان في المخ بالحادث، استخدمت لفترة الكرسي المتحرك: "كانت بالنسبة لي لسة مولودة.. بتتعلم كل حاجة من جديد".
تعلمت "ميريم" المشي من جديد واستكملت جلسات العلاج التأهيلي، تجربة وصفتها الأم بالمعجزة، الابنة التي ظلت راقدة على فراش الموت طيلة أشهر معدودة، عادت لأحضانها تبدأ حياتها من جديد تلتحق بكلية الإعلام تتحدى تبنأ الأطباء باستحالة عودتها للحياة كما كانت.
تعليقات الفيسبوك