في إحدى ليالي ديسمبر الباردة، عاد أحمد نادي، لمنزله بروح مثقلة بعد خروجه من تصفيات بطولة كرة السرعة، اللعبة التي كان يمارسها، رغب في حمام دافئ ينسيه آلام الخسارة، لكنه لم يدرك أنه سيفقد الذاكرة كليًا، بعد دخوله في غيبوبة 3 أيام، يعود منها بذاكرة جديدة لا تتسع سوى ثوان معدودة.
بطل "كرة السرعة": شاركت فى البطولة بعد أسابيع من الإفاقة
27 ديسمبر لعام 2013، هو اليوم الفاصل في حياة الشاب العشريني، فهو بطل العالم في كرة السرعة، رياضته المفضلة التي دخل بين صفوفها حين كان في السادسة من عمره، سرعان ما أظهر تميزاً، وحصل على بطولة العالم في فرنسا لعام 2008.
حادث "أحمد" جاء بعدما ذهب متأخرًا عن المباراة النهائية لتصفيات المنتخب في كرة السرعة، وقتها كان منشغلًا بتسليم أبحاثه في كلية الهندسة، وكان على بعد خطوات من تحقيق حلمه، بتأسيس شركته للتسويق الرياضي، ومن ربحها يطور حياة أطفال العشوائيات، هكذا خطط لحياته.

"خسرت عشان ملحقتش أحضر" تسلل الحزن محل الحماس، عاد لمنزله بمدينة نصر، وفضل "أحمد" الصمت عن التعبير بمشاعره، راغبًا في حمام دافئ، المشهد الأخير الذي بات يتذكره، تأخر "أحمد" داخل الغرفة الخانقة، أثار القلق في نفس أسرته، حطموا الباب، ووجدوه ملقى على ظهره فاقدًا الوعي.
تلاشت العلامات الحيوية من جسد "أحمد"، نبض متوقف ونفس منعدم، استجمعت والدته قواها، لعمل التنفس الصناعي، بحكم عملها كطبيبة، حتى عاد النبض من جديد، إشارة أمل بأن نجلها مازال على قيد الحياة.

جولة بين المستشفيات لإنقاذ "أحمد"، فكان الجواب: "دا نايم.. هنعمله إيه"، اتجهت الأسرة لغيرها، استقر بداخلها في العناية المركزة، بعدما دخل في غيبوبة، نتيجة تسرب غاز أول أكسيد الكربون من السخان، أحدث التسمم في الدم.
3 ليالي كاملة عاشها "أحمد" في غيبوبة تامة، لم يدرك بما حوله: "مش فاكر تفاصيلها نهائي"، ومع بداية اليوم الثالث بدأ الشاب العشريني في الإفاقة، لكن المفاجأة التي كانت في انتظاره، هو فقدانه للذكراة.
"فقت مش فاكر أي حاجة.. غير اسمي وأسماء أهلي" في البداية لم تدرك أسرة "أحمد" ما أصابه من فقدان للذاكرة، فرحتهم بعودته للحياة مجددًا فاقت التركيز مع ردود أفعاله: "في الأول محدش كان فاهم إني مش فاكر حاجة أصلًا"، بحسب حديثه عبر الهاتف.

ما بين الذهول والصدمة استقبل "أحمد" ما أصابه من فقدان للذاكرة، لكن المعاملة الطيبة من أسرته دعمته في رحلة علاجه مع أطباء المخ والأعصاب، بالإضافة للطب النفسي، ومحاولة أسرته في الحديث معه عن ماضيه وعن بطولاته ومشروع حياته.
شعر "أحمد" كأنه ولد للحياة من جديد، يستكشف عالمه، فكانت "كرة السرعة" هي حلقة الوصل بين ماضيه ومستقبله، إذ أصر على دخول بطولة عقب مرور 5 أسابيع على إيقاظه من الغيبوبة: "من الحاجات المغروسة جوايا.. لأني كنت بلعبها من طفولتي".
ذاكرة "أحمد" الجديدة لم تتحمل سوى ثوان، يفقد على الفور نصائح مدربه، وتتحول البطولة لموقف كوميدي في حياته، خاض الشاب العشريني المباراة وكانت المفاجأة بحصوله على المركز الثاني على مستوى الجمهورية: "كنت بلعب كرد فعل.. وربنا ساعدني".
حادث "أحمد" غير حياته كليًا، فأبدل كليته من الهندسة إلى الإعلام متخصصًا في التسويق: "مكنتش قادر على هندسة.. كنت بنسى كل حاجة.. ونفسيًا كنت مضغوط"، يقين "أحمد" بالقضاء والقدر ومساعدة أسرته كان الدور الأساسي في تخطي عواقب الحادث، شيئًا فشيء بدأ يسترد ذاكرته، لكنه مازال يعاني من الذاكرة القصيرة: "كنت عايش زي كريم عبدالعزيز في فيلم فاصل ونعود".
بداية "أحمد" لحياته من جديد، أعطته المزيد من الفرص، نجح في تأليف كتاب يتحدث عن تجربته الخاصة وتدوين أفكاره الشخصية في موضوعات مختلفة، كما أنه بطلًا لفيلم وثائقي عن حياته: "اللي حصل لي خير من عند ربنا".
تخرج الشاب العشريني من الجامعة، أعاده لحلمه في الماضي باستكمال مشروعه في شركة التسويق الرياضي، لكن صعوبات واجهها في تنظيم بطولة للتنس، أدخله في مشروع جديد هو استيراد ملابس من باكستان وبيعها، لكن انتشار فيروس كورونا، أوقفه قليلًا عن تحقيق مكاسبه.
مازال "أحمد" يحلم بالكثير، يفتح لنفسه طرق مختلفة ويسير بين دروبها، وبجانب مشاريعه، يستقبل الشاب العشريني كل من يريد الحديث معه عن مشاكله يساعده حلها: "نفسي أساعد أي حد بأي حاجة.. لسة قدامي كتير أعمله".
تعليقات الفيسبوك