على طاولة متواضعة بغرفة اقتسماها سويا تراصت عشرات الكتب و"رُزم" من الأوراق المطبوعة بحروف بارزة على "طريقة برايل"، عكفا معا على حفظ ما تحتويه كل ورقة من معلومات، من أجل نيل درجة علمية تؤهلهما إلى سوق العمل بعد التخرج، اجتهدا وثابرا لمواجهة ظلام البصر الذي كٌتب عليهما منذ ولادتهما حتى اجتازا سنوات الدراسة الجامعية بتقدير عال، وانتقلا إلى رحلة الدراسات العليا، كل ذلك لم يكن شفيعًا لهما للحصول على وظيفة تناسب أحلامهما، "مش عارفين نشتغل لأننا مكفوفين"، كما تقول شيماء عرابي، الشقيقة الأكبر في بداية حديثها لـ"الوطن".
شيماء اجتازت سنوات دبلومة الدراسات العليا وشقيقتها عبير بدأت هذا العام في مسيرة الدراسات العليا
في عام 2018، تخرجت شيماء في كلية الحقوق جامعة القاهرة بتقدير جيد جدا، بعد أربع سنوات من التعب والمثابرة ليس فقط لطبيعة مواد الكلية التي تحتاج لفهم ومذاكرة وإنما لندرة الكتب المطبوعة بطريقة برايل.
مضت أسابيع قليلة على التخرج حتى التحقت بالدراسات العليا بالكلية نفسها للحصول على شهادة الماجستير، "خلصت الدبلومة الأولى بنجاح ودلوقتي في آخر سنة بالدبلومة التانية"، استعدادا للحصول على درجة الماجستير رسميا، رغم تأخرها قليلا في سنوات الدراسة الأولى لظروف شخصية مرت بها الأسرة.
المسافة نفسها قطعتها "عبير" الشقيقة الأصغر، التي شاء القدر ولادتها هي الآخرى فاقدة للبصر، تخرجت في عام 2018 بتقدير جيد من كلية الآداب قسم التاريخ، وسرعان ما التحقت بالدراسات العليا في كليتها على خطى شقيقتها شيماء.
شيماء: ذهبنا لمكتب العمل بالقناطر والقوى العاملة لتقديم أوراقنا ولم نحصل على وظيفة حتى الآن
الشقيقتان الكفيفتان رغم تحطيمهما الحواجز الصعبة التي كادت أن تعرقل خطواتهما نحو النجاح العلمي، لم يحالفهما الحظ في الحصول على وظيفة ثابتة لضمان دخل شهري ثابت ينفقان به على نفسهما ويضمنان به تأمين صحي، "ودينا ورقنا لمكتب العمل في القناطر الخيرية، مفروض هما بيوزعونا بنظام الـ5% لذوي الاحتياجات الخاصة ولحد الآن مفيش رد"، حتى لجأت إلى مديرية القوى العاملة في بنها دون جدوى وظلت أوراق نجاحهما حبيسة الأدراج حتى الآن منذ تخرجهما، "أوقات بيتقالنا مفيش شغل للناس السليمة عشان نوفرلكم انتو شغل"، بحسب تعبير شيماء خريجة الحقوق.
الأزمة لم تنته عند محاولات الأختين الكفيفتين الحصول على وظيفة تناسب ظروفهما الخاصة، بل فوجئت شيماء ذات يوم برفع معاش الضمان الاجتماعي الخاص بهما بعد زيادة طفيفة نالها والداهما في عمله كغفير حكومي يتولى حراسة المواشي والجرارات بمبنى تابع لوزارة الزراعة بالقناطر، "اتشال المعاش الخاص بذوي الإعاقة لما مرتب والدنا زاد شوية والموظفين قالولنا السبب إنكم أصبحتوا غير مستحقين"، إلا أن الأمر بالنسبة للشقيقتين لم يقتصر عند الحصول على معاش شهري بل إلى هدف وطموح تسعيان من أجله، "خدنا الشهادة وبندرس ماجستير عشان نلاقي وظيفة تليق بينا وبرضو مش عارفين نشتغل"، بحسب تعبير شيماء.
تعليقات الفيسبوك