شهدت البلدان التي تعرضت لحالات حظر صارمة لوقف انتشار الفيروس التاجي المستجد كورونا فائدة غير مقصودة، إذ ساهم تفشي المرض، جزئيًا على الأقل، في انخفاض ملحوظ في التلوث وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في بعض الدول.
على الرغم من الكآبة، إلا أنه قال العلماء إنه يمكن أن يقدم دروسًا صعبة حول كيفية الاستعداد والتجنب المثالي للآثار الأكثر تدميراً لتغير المناخ، بحسب التقرير الذي نشرته شبكة "إن بي سي" الأمريكية.
قال كريستوفر جونز، المطور الرئيسي لشبكة CoolClimate Network، وهي اتحاد بحثي تطبيقي في جامعة كاليفورنيا عن امناخ وتغيراته، "إذا استطعنا التفكير في كيفية الاستعداد لتغير المناخ مثل الوباء، فربما تكون هناك نتيجة إيجابية لكل هذا، ذلك يمكن أن يساعد في منع الأزمات في المستقبل إذا كنا مستعدين، أعتقد أن هناك بعض الدروس الكبيرة المفيدة هنا".
جونز: التدابير المؤقتة أدت إلى انخفاضات كبيرة في الانبعاثات الضارة
أصابت جائحة فيروس كورونا في أكثر من 180 ألف شخص وقتل أكثر من 7100 شخص في جميع أنحاء العالم منذ ديسمبر الماضي، واضطرت بعض الدول، وأبرزها الصين وإيطاليا، إلى إغلاق حدودها وفرض قيود على حركة السكان للسيطرة على معدلات الإصابة.
وأظهرت عمليات رصد الأقمار الصناعية أن هذه التدابير المؤقتة أدت أيضًا إلى انخفاضات كبيرة في الانبعاثات الضارة، وقال جونز "إن ثاني أكسيد الكربون مرتبط بالنشاط الصناعي وإنتاج الكهرباء والنقل، وبالتالي فإن أي شيء يؤثر على هذه القطاعات سيؤثر على غازات الاحتباس الحراري أيضًا".
ظهر الفيروس التاجي الجديد لأول مرة في أواخر ديسمبر في مدينة ووهان الصينية، ومع انتشاره السريع في المناطق المجاورة، أغلقت الحكومة الصينية المدينة، مما أدى إلى عزل 11 مليون شخص في ووهان، وفي نهاية المطاف، شمل الإغلاق عزل ما يقرب من 60 مليون شخص في مقاطعة هوبي التي تقع بها المدينة.

أدت العمليات الصناعية في المنطقة الساخنة للفيروس التاجي إلى توقف السفر ووضع قيود عليه داخل الصين مما أدى إلى توقف حركة النقل الجوي والسكك الحديدية والطرق مؤقتًا أو تقليصها عبر بعض المناطق.
ليوري: ساهمت القيود في انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بالصين بنسبة 25 %
وذكر ليوري مالليفيرتا، المحلل في مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف في فنلندا، ساهمت هذه القيود في انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصين بنسبة 25 % على مدى 4 أسابيع بدءًا من أواخر يناير، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، كما وجد أن العمليات الصناعية انخفضت بنسبة 15% إلى 40% في بعض القطاعات وانخفض استهلاك الفحم في محطات الطاقة بنسبة 36%.
رصدت الأقمار الصناعية التي تديرها وكالة ناسا ووكالة الفضاء الأوروبية انخفاضات شديدة في تلوث الهواء فوق الصين على مدى أسبوعين في فبراير عندما كان الحجر الصحي ساريا، وقاست الأقمار أيضا تركيزات ثاني أكسيد النيتروجين، التي تطلقها السيارات ومحطات الطاقة والمنشآت الصناعية، من 1 يناير إلى 20 يناير، ثم مرة أخرى من 10 فبراير إلى 25 فبراير، ووجدت فرقا واضحًا.

بدا أن سحابة ثاني أكسيد النيتروجين التي كانت متوقفة فوق الصين في يناير تتبخر في فبراير، وقال علماء في وكالة ناسا إنه تم ملاحظة انخفاضات مماثلة في الانبعاثات في دول أخرى خلال الاضطرابات الاقتصادية، ولكن الانخفاض الحاد في تلوث الهواء في الصين خلال فترة الحجر الصحي كان سريعًا بشكل خاص.
وقال في ليو، باحث في جودة الهواء في مركز "جودارد" لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا، في بيان في وقت سابق من هذا الشهر: "هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها انخفاضًا كبيرًا للتلوث في مثل هذه المساحة الواسعة بسبب حدث معين".
وانخفضت مستويات التلوث بالمثل على إيطاليا، التي أصبحت مركز وباء الفيروس التاجي خارج الصين، ففي 8 مارس، عندما ارتفعت أعداد الحالات في البلاد، أغلقت إيطاليا منطقة لومباردي الشمالية، وبعدها بيومين، وسع رئيس الوزراء العزل والحجر الصحي ليشمل البلد بأكمله.
وانخفضت تركيزات ثاني أكسيد النيتروجين في الجو فوق إيطاليا بشكل كبير، كما حدث في الصين، إذ وجد تحليل أجرته صحيفة واشنطن بوست أنه أكبر انخفاض دراماتيكي لوحظ على شمال إيطاليا.

يمكن لثاني أكسيد النيتروجين أن يهيج الرئتين ويمكن أن يسبب استنشاق الملوثات إلى زيادة خطر الإصابة بالربو والتهاب الرئتين، وعلى الرغم من أن الغاز الضار لا يُعتقد أنه مساهم رئيسي في تغير المناخ، إلا أن دراسة تركيزه في الغلاف الجوي يمكن أن يساعد العلماء على فهم غازات الاحتباس الحراري الأخرى التي تحبس الحرارة والتي تؤدي إلى الاحترار العالمي.
وتتوقع جاكلين كلوب، المديرة المشاركة لمركز التنمية الحضرية المستدامة في جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك، أن تنخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في جميع المجالات بسبب إجراءات الحجر الصحي، وقالت: "بقاء الناس في منازلهم أوقف بالفعل الكثير من الأنشطة التي تؤدي إلى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري والتلوثات الأخرى".
لكن الخبراء يحذرون من أن هذه الانخفاضات مؤقتة، وأنه مع ارتداد البلدان والاقتصادات، فإن الانبعاثات سترتفع من جديد، وشددت كلوب على أن هذه الجائحة التي يعيشها العالم يمكن أن يجعل الشركات والحكومات تدرك أن التهديدات الأخرى للبشرية، بما في ذلك تغير المناخ، يمكن أن تكون مدمرة بنفس القدر، وأنه من الضروري تطوير إجراءات وقائية.
تعليقات الفيسبوك