في بعض الأحيان يمكن أن يكون للتغييرات الصغيرة أثرا إيجابيًّا أو سلبيًّا كبيرًا، وفقا لما خلصت إليه دراسة رصدية جديدة، وجد فيها مجموعة من الباحثين في الولايات المتحدة الأمريكية وجود صلة ملحوظة وقوية بين زيادة بمعدل دولار واحد فقط في الحد الأدنى للأجور وبين انخفاض معدلات الانتحار.
في حين تشهد أغلب دول العالم المتقدم تراجعا ملحوظا في نسب الانتحار في السنين الأخيرة، شهدت الولايات المتحدة الأمريكية في المقابل ارتفاعًا مأساويًا ومتزايداً في أعداد المنتحرين، ما جعل الانتحار واحدا من أسباب الوفاة الرئيسية في أمريكا، بحالة وفاة واحدة من كل خمس حالات سببها الانتحار، وعدد إجمالي لحالات الانتحار في عام 2017 وصل إلى 47 ألف حالة انتحار لم يتم إنقاذها، وفقا للتقرير المنشور بموقع (Science Alert) الإلكتروني.
وجد الباحثون أنه لو كان الحد الأدنى للأجور زاد بمعدل دولار واحد في كل الولايات الأمريكية الخمسين، لكان من الممكن إنقاذ نحو 27550 حالة انتحار في الفترة بين عام 1990 وعام 2015، بخاصة حالات الانتحار التي كان مرتكبيها غير حاصلين على مؤهلات جامعية، الذين ينتمون للطبقات الفقيرة، التي يحصل عاملوها على أدنى دخل مادي ويمارسون أعمالا تعرضهم لأحمال جسدية ونفسية زائدة.
في حين لاحظ الباحثون أثرًا كبيرًا لتلك الزيادة الصغيرة في الأجر في الطبقات الفقيرة، لم يتم رصد علاقة واضحة بين نفس الزيادة وانخفاض معدلات الانتحار في الطبقات المتوسطة والمتعلمين الحاصلين على شهادات جامعية، وهو ما يدعم وجهة نظر الباحثين بأن الأزمات المالية الطاحنة التي تتعرض لها الطبقات الفقيرة من أكبر أسباب الانتحار، وهي أيضا سبب الاستجابة القوية لأي زيادة، مهما كانت صغيرة، في الدخل المادي.
للوصول إلى هذه النتائج، جمع الباحثون أرقاما من سجلات جميع الولايات الأمريكية الخمسين، تتضمن جميع حالات الانتحار بين الأشخاص البالغة أعمارهم من 19 إلى 64 سنة، مقسمة وفقا للشهور، وقارنوا تلك الأرقام بالحد الادنى للأجور في كل ولاية من الولايات، بمعدل شهري أيضا.
بينت هذه الطريقة أن الزيادة في الحد الأدنى للأجور، بمعدل دولار واحد، ترتبط بانخفاض في معدل حالات الانتحار بمعدل يتراوح بين 3.5 و6 بالمئة، ولوحظت هذه العلاقة بين الأفراد الحاصلين على شهادة الثانوية العامة أو أقل منها، الذين لم يتلقوا تعليمًا أكاديميًّا، وهم الطبقة التي تحدث بها أغلب حالات الانتحار، بإجمالي 399 ألف حالة انتحار في الفترة من 1990 إلى 2015.
بينما تعتبر هذه الدراسة مجرد رصد، وليست دليلا قاطعا على وجود العلاقة المقترحة، إلا أن نتائج تلك الدراسة والبحث المصاحب لها تعتبر مؤشرا قويا على ارتباط زيادة الدخل بانخفاض الضغوط والأمراض النفسية، بخاصة أن الدراسة، التي نشرت في "مجلة علم الأوبئة والحصة المجتمعية"، أو (Journal of Epidemiology & Community Health)، تأتي في إطار مجموعة من الأبحاث الهادفة لتحليل ظاهرة تزايد معدلات الانتحار في الولايات المتحدة الأمريكية، وأسباب تلك الزيادة وطرق مواجهتها.
تعليقات الفيسبوك