محنة جمعت أهل قرية على قلب رجل واحد، متكاتفين معًا، ليس بالمال ولكن بما ينبض به القلب ليشع حياة في جسد أنهكه المرض، تسابق الصغار قبل الكبار في ملحمة لجمع تبرعات بالدم لابن قريتهم "منية الحيط" بالفيوم في أغسطس من العام الماضي، قبل إجرائه عملية زراعة كبد، ليشفي الله العليل وتنبض حياته من جديد بدماء من مختلفة الأصل، ويقوم هو بنفسه ببدء حملة ممثالة الجمعة الماضية لزارع كبد في قرية نوارة المجاورة.
أشرف رمضان، 44 عاما، الذي رغم انتقاله عن قريته منية الحيط للعيش في القاهرة بسبب العمل منذ ما يقرب من 20 عامًا، لكن أواصر الترابط العائلي لا تزال قائمة في المناسبات وفي الزيارات الشهرية، ليجد نفسه بمجرد أن تم تشخيصه كمريض يحتاج لزراعة الكبد، لا حول له ولا قوة، بدون عائلته بالفيوم والجيران والأصدقاء القدامي، الذين سارعوا بأغلى ما يمتلكه المرء، بين فحوصات للتبرع بفص الكبد للزراعة وبين التبرع في حملة جمع أكياس الدم.
"المسؤول عن حملتي في مستشفى القصر الفرنساوي قالي ماتتخيلش إن حد هيقف جنبك وهتلاقي معارفك بيتبرعوا.. لو وقف معاك 3 ولا 4 يبقى حلو أوي" هكذا وصف أشرف لـ"الوطن" حالة اليأس التي ألمت به قبل أن ينتقل إلى قريته ليجد إلتفافًا ملحميا منهم "قرايبي كتير وأولهم زوجتي وكمان صحابي حالوا يتبرعوا بالفص لكن الوحيد اللي اتقبل وحصل توافق بيني وبينه كان ابن عمي.. وقفتهم شجعتني إني أقرر أعمل العملية وخصوصا لما شوفت صور حملة التبرع اللي علاء ابن عمي وعيلة الجوهري بعتوها لي وأنا في القاهرة شجعتني"، متابعا: "منظر الموتوسيكلات والتكاتك وهي رايحة جاية بين الجوامع تجمع أكياس الدم فرق مع نفسيتي وقد إيه الناس دي بتحب الخير".
بعد أكثر من عام على حملة تبرع لابن قرية منية الحيط والتي أسفرت عن جمع ما يزيد عن 400 كيس، كان أشرف نفسه هو أبرز المشاركين في حملة أخرى، قام على تدشينها ومتابعتها مع عائلته، بعد أن تلقى اتصالا من الدكتور محمود طلعت، منسق عملية زراعة الكبد بالمعهد القومي للكبد، يخبره بمريض في قرية "نواره" المجاورة، يدعى عادل فودة، يحتاج لحملة تبرع بالدم لنفس غرض زراعة كبد، ليقوم أشرف بالتوجه فورًا إلى المعهد لتقديم دعما معنويا هو أكثر من يعرف أهميته في لحظة سبق أن مرَّ بها "روحت أطمنه وأحكي له عن عمليتي وقولت له ماتخافش من ناحية الدم خالص.. أنا مريت بنفس ظروفه وعارف قوي يعني إيه يسمع الكلام ده مني، بيكون زي الغريق اللي مستني قشاية يتعلق بيها وغير مصاريف مهولة بيحتاجها".
دعم معنوي بدأه أشرف ويعزم على استمراره بالتواصل مع فودة عقب خروجه من الرعاية المركزة التي تتبع الخضوع للجراحة، وتبعه بدعم على أرض الواقع، متواصلا مع أهل قريته وأصدقائه كي يدشن حملة تبرع بالدم امتلأت بها مساجد "منية الحيط" بالفيوم "رغم إن الناس ماتعرفوش عندنا في القرية بس الخير مايعرفش حدود وكلنا ولاد بلد واحدة وجيران والمواقف دي هي اللي بتبين معادن الرجال وأثبتوا إنهم أفضل ما يكون".
وفقا لأشرف رمضان فإن قرية نوارة التي يعيش بها عادل فودة قليلة السكان على العكس من قريته التي تتميز بكبر عدد سكانها وخصوصا الشباب، فتحولت شوارع القرية إلى مشاهد من ملحمة إنسانية، تنتقل فيها أكياس الدم بين المساجد حيث مقرات سحب أكياس الدم، لينتهي اليوم بجمع ما يزيد عن 600 كيس، غير أن كان هناك مزيد من المتبرعين من صغار وكبار السن والنساء وغيرهم "كان فيه أطفال ونساء عايزين يتبرعوا لكن قولنا بلاش طالما عندنا وفرة من المتبرعين وفعلا الدم زاد عن الحاجة والمسؤولين في المستشفى قالوا لو حد في القرية احتاج نقل دم إنتوا ليكو عندنا مخزون"، ليختتم حديثه "بعد ما كان مسؤول الحملة بيشكك في وقفة الناس جنب بعض شاف بنفسه تكاتف وعطاء بلا حدود".
تعليقات الفيسبوك