رحلة داخل عالم الشياطين.. ممنوع لأصحاب القلوب الضعيفة
في الجن حديث كثير، بعضه شائق يستمد ما به من إثارة من تراث غلبت عليه الحكايات المرعبة أحيانا والمسلية أخرى، لكن ما شغل المسلمين من سيرة الجن هو حديث الشياطين، فمن سيطرة الشيطان وقبيله عليه يستمد المسلم ثقته في دخول الجنة وتجنب النار، يهمه أن يفر من الشيطان قدر ما يستطيع أو أن يتجنب طرائقه قدر ما كان.
الاختفاء عن الأبصار كان أصل تسمية الجن لدى العرب، وفي لسان العرب أيضا يقال "جني" إذا ذُكر خالصا، فإن قوي وتمرد أسموه شيطانا، فإذا زاد في الغي قالوا ماردا، وإذا تجبر واستفحل شره قالوا عفريتا. والجن لم يستدل له في حاضرنا بأثر ومادة، إلا أنه في عقيدة المسلمين خَلقُ من مخلوقات الله بعث فيهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما بعث للإنس، "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".
لكنهم - الجن - قادرون على التشكل والاختفاء وإيقاع الأذى، بحسب عقيدة المسلمين "أني مسني الشيطان بنصب وعذاب". وهناك سورة كاملة في القرآن تحمل اسم الجن، فيها يتحدثون عن أنفسهم، وما انشق منهم من شياطين "عصاة": "وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا".
ماذا تعرف عن الشيطان؟
الشيطان في الموسوعة البريطانية هو نقيض أهل الخير، عدو كل صالح، وهو تجسيد للشر ونقيض للإله، وهو يرتبط في الإسلام باسم إبليس الذي كان من الجن وطرد بعد أن عصى أمر ربه فلم يسجد لآدم عليه السلام، وقتها صمم على أن يغوي البشر وأن يقف لهم في كل طريق ليدلهم على الشر والشطط والبعد عن الله، ردا على تنكيل الله به وإبعاده رغم أنه "خير منه"، أي آدم، "خلقتني من نار وخلقته من طين"، وهو ما يراه أفضلية تعظمه وتجعله جديرا بألا يسجد لآدم.
الشيطان ليس إبليسا في كل الديانات فهو في المسيحية لوسيفر وفي اليهودية عضوا بالمحكمة الإلهية ليهوه، لكن ما اعتبره الإسلام من ذرية الشيطان وقبيله هو ما يستدعى البحث. من الثابت في الإسلام أن إبليس له ذرية، استنادا لقوله تعالى: "أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو"، لكن تحقق ذرية الشيطان، فيها تفصيل بحسب ما روي عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إذ ذكر الأثر مرة أنه يبيض بحسب ما روى البرقاني في صحيحه كما قال النووي في رياض الصالحين من حديث عن النبي قال فيه: "لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فيها باض الشيطان وفرخ".
أبناء الشيطان في العرف الإسلامي.. "إبليس يضع البيض أو ينكح نفسه"
الإمام الشنقيطي في كتابه "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن"، مع تأكيده على ذرية الشياطين، لم يقر بنص واضح عن كيفية حصولها سواء بتزويج، أو غيره من أدوات قد يكون الله قد أودعها بالمخلوق الرجيم، وأشار في مجمل ما تحدث به أن الخلاف صريح بين العلماء، "قال الشعبي: سألني الرجل: هل لإبليس زوجة؟ فقلت: إن ذلك عرس لم أشهده! ثم ذكرت قوله تعالى: أفتتخذونه وذريته أوليآء من دوني، فعلمت أنه لا تكون ذرية إلا من زوجة فقلت: نعم".
ويورد الشنقيطي في كتابه، رواية قد يستدل بها عن كيفية إنجاب الشيطان، نقلها عن قول مجاهد: إن كيفية وجود النسب منه أنه أدخل فرجه في فرج نفسه فباض خمس بيضات: قال: فهذا أصل ذريته. وقال بعض أهل العلم: إن الله تعالى خلق له في فخده اليمنى ذكرا، وفي اليسرى فرجا، فهو ينكح هذا بهذا فيخرج له كل يوم عشر بيضات، يخرج من كل بيضة سبعون شيطانا وشيطانة".
وتحدث الدميري في مجلده "حياة الحيوان الكبرى"، بما يدلل على أن الشياطين كالبشر في النوع فمنهم الذكر والأنثى، أما إبليس فقد خصص الله له عندما طرده ذكرا في فخذه اليمنى وفرجا في اليسرى لينكح ذاته ليخلف كل يوم عشر بيضات ومن كل بيضة يخرج إلى الذرية سبعون شيطانا وشيطانة تكاثروا فيما بينهم.
يقول الشيخ صبري عبادة، مستشار وزارة الأوقاف المصرية، لـ"الوطن"، إن ما يقال في ذلك ليس معضدا بدليل من كتاب أو سنة، فالثابت أن له ذرية لكن الكيف مجهول ولا يعرف برأي أو تأويل، ولفت إلى أن القرطبي قال في حديث معنون صحيح: "لا تكن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فيها باض الشيطان وفرخ"، وهذا يدل على أن للشيطان ذرية من صلبه.
ويضيف عبادة، أن ما ذكر من اجتهادات لعلماء عن أن الشيطان تكاثر بزوجة أو سواه هو محض اجتهاد لا يعول عليه، وإن كان لا يفيد معرفة الكيف في أصول العقيدة لأن شأن الشياطين الغيب، وما هو غيب لا يخضع لإعمال العقل أو جلب الرأي، مشددا على أن الشيطان يرانا هو وقبيله من حيث لا نراه فيوزع على نفره المهام وينتظر ويكافئ ويقرب المُجيد ويبعد المخفق شأنه شأن كل رئيس لطائفة أو فصيل".
أسماء ذرية إبليس.. الثابت "خنزب"
وحول ما يذكر من أسماء الذرية، تعددت الاجتهادات بين العلماء والمفسرين، فهناك بين ولد الشيطان كما رأوا: "زلنبور صاحب الأسواق. وتبر صاحب المصائب يأمر بضرب الوجوه وشق الجيوب ونحو ذلك. والأعور صاحب أبواب الزنى. ومسوط صاحب الأخبار يلقيها في أفواه الناس فلا يجدون لها أصلا. وداسم هو الشيطان الذي إذا دخل الرجل بيته فلم يسلم ولم يذكر اسم الله بصره ما لم يرفع من المتاع ويحسن موضعه يثير شره على أهله. وإذا أكل ولم يذكر اسم الله أكل معه. والولهان صاحب الطهارة يوسوس فيها، والأقيس صاحب الصلاة يوسوس فيها، ومرة صاحب المزامير وبه كان يكنى إبليس" (أضواء البيان).
يقول سامح حمودة، الداعية السلفي، لـ"الوطن"، إن "ما ثبت فقط عن النبي من اسم ولد الشيطان هو (خنزب)، الذي يلبس على المسلم قراءته، وقد كان للنبي نفسه قرين من شيطان فأعانه الله عليه فأسلم فأصبح من أتباع النبي لا يغويه ولا يرديه إلى شر أو سوء، بخلاف باقي المسلمين الذين يمسهم القرين بوهن أو فتور من العبادة أو يحضهم على زلل أو خطيئة"، موضحا أن الشيطان يتغذى على ما يترك الإنسان من فضلات ويعيش كما يعيش الإنسان فيتكاثر ويوزع الأعمال.
وعليه فإن ما يخص عالم الشياطين في الإسلام مرهون باجتهاد في أغلبه، أو موصول بتفاسير قرآنية أو أحاديث، إلا أن اللافت أن ذرية الشيطان لها مجتمع عامر بالمهام والأعمال وأسماء يحبذونها فيما بينهم، وثواب وعقاب من إبليس لجنده، " إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة.وعند أحمد: عرش إبليس على البحر يبعث سراياه في كل يوم يفتنون الناس، فأعظمهم عنده منزلة أفتنهم للناس" (صحيح مسلم).
تعليقات الفيسبوك