رغم أنه يزور سيناء عابرا مرة كل عام عام، إلا أن هناك ارتباط وثيق بينه وبين أهلها بادية وحضر، فـ"السمان" الذي يأتي عابرا من أوروبا إلى بلاد إفريقيا وأسيا، متخذا من سيناء محطة مهمة في مشواره الطويل، ارتبط ارتباطا وثيقا وتاريخيا به، منذ أن قدم لنبي الله موسى وقومه بنو إسرائيل، بعد فرارهم إلى الأرض المقدسة فارين من بطش فرعون وجنده.
و"وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى* كلوا من طيبات ما رزقناكم وماظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون"، سورة البقرة، فانه اختلفت عبارات المفسرين في المراد بالمن والسلوى، وذُكر في التفاسير أقوال للسلف فيهما، وروى عن ابن عباس –رضي الله عنهما، أن السلوى طائر شبيه بالسمّان، كانوا يأكلون منه، وعن عكرمة، أنه كطير يكون بالجنة أكبر من العصفور.
هو موسم السمان أو كما يقال في سيناء "الفر"، يأتي مع أوائل شهر سبتمبر من كل عام، مع بداية موسم الخريف.
ويقول عبدالعزيز الغالي، أحد أهم المتابعين للأكلات السيناوية ويتقنها جيدا، إن "الفر" يأتي مع بداية الخريف من كل عام مارا من اوربا باتجاه أفريقيا وآسيا، تسبقه التشريفة.
والتشريفة كما فسرها شعبان قنديل الفضالي، من المهتمين بتوثيق تاريخ سيناء، هي وصول أصوات طائر "الشرقرق" الذي ينادى في سماء المنطقة أوقات الليل والفجر معلنآ عن قدوم "السمان" بصحبته، ما يعد إيذانا ببدأ نصب الشباك بسواحل البحر لاصطياده.
ويضيف شعبان الفضالى الملقب "بتيتو": "كنا أحيانا نسمي بعض من يلعب كرة القدم معنا بـ"الفرة" في تشبيه لسرعته بطائر السمان"، موضحا أن موسم صيد السمان والمراعي والطيور المهاجرة الأخرى قديما، كان من المناسبات السعيدة لكل أبناء المحافظة، لأنهم يجنون من وراءه مالا وفيرا ويعد مصدرا للرزق، يقضون بها حاجاتهم مثل تزويج الشباب، سداد الديون وكسوة "ملابس" الأولاد الشتوية التي تعقب الموسم.
وعن طرق طهيه وأكله، فإن أهالي سيناء يبدعون في طرق طهي السمان على شكل "مقلوبة السمان، طاجن، فته".
في تلك الفترة من بداية الخريف، ينصبون الشباك أو ما يسميه السكان المحليون بـ"المناصب أو التراكيب"، كما يوضح محمد أبواسكندر، وتوضع على طول الشاطئ أو تحت النخيل أو فوق الكثبان الرملية.
كان الأجداد والآباء يستيقظون مبكراً في الفجر للصلاة، وقبل شروق الشمس يذهبون إلى الشباك لجمع السمان الذي وقع ليلاً، أو في الصباح الباكر في الشباك، وتوضع في أقفاص لبيعها، أو علي جانبي الطرق السريعة في محاولة لتسويقها للمسافرين إلى الدول العربية، عبر طريق بري كان يمر من سيناء إلى دول الأردن والشام،
وكانت هناك طريقة أخرى لصيد السمان كما يقول محمد أبوكريشان، أحد أهالي ساحل الشيخ زويد، تسمى باللهجة السيناوية "العُبوب"، عبارة عن قطعة كبيرة من الشباك "متر في متر"، تقل أو تزيد قليلا حسب المكان الذي يوضع عليه، وعادة ما يكون فوق نبات العادر أو الهيشة، نخلة يخرج منها نخيل صغير.
وتغزل أهل سيناء بالأشعار حبا في السمان قائلين باللهجة السيناوية الدارجة:
"سمانة ما كانتشي من العُب سلمانة".
"لما شفت من بعيد العُب علي العادرة منصوب، جردت الفرة بالراحة لحد ما وصلت وشافت هيه المكتوب".
تعليقات الفيسبوك