عبادة الدعاء
دعاء الرسول في الطائف يرتبط بقصة انتقاله صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى الطائف، بعد وفاة عمه أبو طالب، وتعرّض الحبيب عليه الصلاة والسلام وقتها إلى الأذى من أهل الطائف، ما دفعه إلى التوجه إلى بستان ودعا بدعائه الشهير في الطائف بعد الأذى الذي تلقاه هو وصاحبه زيد بن حارثة رضي الله عنه، وكان ذلك في شهر شوال من السنة العاشرة للبعثة.
نحو 10 أيام قضاها الرسول صلى الله عليه وسلم مع أهل الطائف وقيل شهرًا، ولم يدع أحدًا من أشراف الطائف إلا جاء إليه وكلَّمه، فلم يجيبوه وخافوا على أحداثهم منه، فقالوا: «يا محمد اخرج من بلدنا» وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم يسبُّونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس، وأوقف سادة المدينة الصبيان في صفّين وبدأو برجم الرسول الكريم بالحجارة حتى أصابوه في رأسه الشريفة، فلما مرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الصَّفين جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتى أدمَوا رجليه، بحسب ما ذكرت دار الإفتاء المصرية عبر موقعها الرسمي.
وروى الطبراني برجال ثقات عن عبدالله بن جعفر رضي اللَّه عنهما، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لما انصرف عن أهل الطائف أتى ظلّ شجرة فصلى ركعتين ثم قال: «اللهم إني أشكوا إليك ضعف قوّتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهّمني أو إلى عدوّ ملكته أمري إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالِ ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، مِن أن تُنزِل بي غضبك أو تُحِلَّ علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك».
ويكمل ابن إسحاق ما حدث بعد ذلك، فيقول: «ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انصرف من الطائف راجعًا إلى مكة، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي، فمرَّ به النفر من الجنِّ الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى، فاستمعوا له، فلما فرغ من صلاته ولَّوا إلى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا».
وقد قصَّ الله خبرهم عليه صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ» إلى قوله: «وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ» في سورة الأحقاف، وقوله: «قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) في سورة الجن.
ثم عاد رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم -ومعه زيد بن حارثة رضي الله عنه- يريد دخول مكة، فقال له زيد: كيف تدخل عليهم يا رسول الله وهم أخرجوك؟ فقال: «يا زيد إن الله جاعل لما ترى فرجًا ومخرجًا، وإن الله ناصرٌ دينَه ومُظهِرٌ نبيَّه».
ثم أرسل رجلًا من خزاعة إلى مطعم بن عدي يخبره أنه داخل مكة في جواره، فاستجاب الأخير لذلك.
ويمكن للمسلم الدعاء بدعاء الرسول عليه الصلاة والسلام في الطائف عندما يشتد عليه الكرب، فيدعو الله أن يهوّن عليه ويعطيه من رحمته ما يساعده على الصبر.
وأيضًا عند استعصاء الأمر على العبد فيلجأ إلى الله بهذا الدعاء مناجيًا إياه وطالبًا منه المغفرة والقوة لتيسير هذه العقبات، وإذا شعر العبد بالحزن والضيق يمكنه أن يدعو بهذا الدعاء لما له من فضل كبير لرفع الحزن عن العبد، لما فيه من اعتراف بقوة الله عز وجل وقدرته على رحمة عباده المستضعفين.
تعليقات الفيسبوك