اعتادت الأسر المصرية على الجلوس أمام شاشة التليفزيون وقت الإفطار في شهر رمضان المبارك لمشاهدة المسلسل الشهير «بوجي وطمطم»، الذي تربت أجيال كاملة على شخصياته المحببة لدى الجميع، وعرف اسم مخرج العمل محمود رحمي بين أغلب المصريين، ليمثل المسلسل أحد أهم مظاهر شهر رمضان في مصر.
فوقية خفاجي، زوجة الفنان الراحل «محمود رحمي» روت لـ«الوطن»، تفاصيل بداية فكرة المسلسل، مشيرة إلى أنه اكتشف أن الدول المتقدمة تحرص على تعليم الأطفال القيم المجتمعية في سن مبكرة، من خلال الشخصيات التي تقدمها على الشاشة الصغيرة وبينها «ميكي» في أمريكا، لذلك سعى إلى إخراج عمل فني قومي من خلال بوجي وطمطم، وفي البداية لم يكن الأمر سهلاً كما يعتقد البعض بل تطلب مجهودا شاقا انتهى بخروج مسلسل الأطفال الأسطوري الذي لا يزال من أعظم الأعمال الوطنية للطفل على مدار عقود كاملة.

رومانيا وراء ظهور بوجي وطمطم
حالف «رحمي» الحظ بالعمل في التليفزيون المصري عام 1961، وهو طالب في كلية فنون جميلة قسم نحت، ولم تخطر الشخصيات الكرتونية على باله إلا بعد مشاهدته نماذج العرائس التي أنتجتها دولة رومانيا لينبهر بهذا الفن الراقي، ويجد نفسه في هذا المجال وبعد نجاحه في إنتاج عدة شخصيات، قرر استثمار الفكرة بإنتاج عروسة لكل المصريين، يمكن من خلالها نقل التعاليم الصحيحة إلى العقول الصغيرة التي ستصبح فيما بعد من الكوادر البشرية للدولة، فكانت فكرة بوجي وطمطم.
حظي المسلسل بإقبال هائل من كل الدول العربية، عندما جرى تقديم المسلسل لأول مرة في ماسبيرو بعد أذان المغرب في شهر رمضان المبارك، وتولى عرضه حتى يومنا هذا ليصبح سمة رمضانية في كل البيوت المصرية والعربية.
وبحسب زوجة «رحمي»: « أنا كنت معاه في كلية فنون جميلة وبعدها بقيت المساعدة بتاعته، هو اكتشف إن العروسة ممكن تتحرك وتتكلم فعمل لمصر زي الدول الأجنبية ولما اتعرض أول مرة، الأطفال والكبار كانوا مبهورين، ولحد دلوقتي بقابل ناس بيقولوا الله يرحمك يا أستاذ رحمي ربيت ولادنا».

المخبأ السري لعرائس بوجي وطمطم
هناك بعض العادات القديمة التي من شأنها القضاء على الشخصيات الكرتونية رغم نجاحها الكبير، منها تكهين التليفزيون للأشياء المتهالكة من كثرة الاستخدام ووضعها في مخزن، لذلك قام «رحمي» بمساعدة زوجته بتصميم عرائس بوجي وطمطم والاحتفاظ بها في منزلهما، حسب «فوقية»: «عملنا اتيليه في البيت واحتفظنا بكل حاجة ولسه موجودة زي ماهي، التليفزيون أيام زمان كان كل كام سنة بياخد الحاجات المستعملة زي الأزياء والعرايس ويرميها في مخزن ممكن يبعها فيما بعد».

زوجة «رحمي»: «مش هقبل بأي تغيير»
بعد انتقال «رحمي»، إلى الرفيق الأعلى في عيد ميلاده 23/7/2001، ظلت ذكراه ومسيرته الفنية باقية في القلوب، ولازالت شخصيات بوجي وطمطم تعرض حتى يومنا هذا لتذكرنا بفنان لن يتكرر مهما طال الزمن، لتستلم زوجته راية الحفاظ عليها من بعده، وتعمل جاهدة على خلق فرصة لإحياء المسلسل الكرتوني من جديد ولكن بنفس الشكل الذي تركها عليه صاحبها، فهي ترفض ما وصل اليه التليفزيون الآن فلا توجد برامج للأطفال كما كان في السابق، لذلك ترفض ظهور هذه الشخصيات بأي شكل يقلل من مسيرة زوجها، وفقا لـ«فوقية».
وأضافت: «نفسي قبل ما أموت أعمل مسلسل تاني لبوجي وطمطم، بس للأسف مفيش سيناريو كويس بيتقدم ولا فيه مخرج جيد كل الحاجات اللي اتعرضت عليا كانت بشعة، لازم الشخصيات دي تطلع بشكلها وكلامها الحقيقي مش هقبل بأي تغيير يحصل، اشتغلت معاه كويس وعارفة قيمة مجهوده فلازم أحافظ عليه، كفاية إن اتعمل منها عرايس صغيرة بتتباع في الأسواق للأطفال، واتحطت صورها على الفوانيس ومفارش رمضان كفاية لحد كده».

قضايا بوجي وطمطم وعم شكشك.. (مش هنسكت)
لم تعتقد «فوقية» أن مجهود 40 سنة سيصبح حق مكتسب لأي شخص يمكنه الاعتداء عليه، إذ فوجئت بتصميم أحد التجار لعرائس بوجي وطمطم وبيعها في الصين بمبالغ كبيرة، تبدأ من 60 جنيها حتى 1200 جنيه ليجني من ورائها ملايين الجنيهات، دون مراعاة الملكية الفكرية لصاحبها أو الاستئذان من أسرته على أقل تقدير، لذلك لجأت إلى العدالة لاسترداد حقوق زوجها منذ 10 سنوات، ولازالت القضية في المحكمة الاقتصادية حتى الآن، حسب كلامها: «أنا معنديش مشكلة إن ناس تعملها بشكل بسيط، وتبيعها وتسترزق من شغل أستاذ رحمي وتبقى صدقة جارية على روحه، لكن تاجر كبير يصممها حلو جداً زي الأصلية ويروح يبعها مينفعش أسكت».

«عم شكشك»، شخصية كرتونية من تصميم «رحمي» جسدت الجد المصري، من خلال جلوسه في الشباك يقرأ الجريدة وينتقد كل السلبيات ويتحدث عن الإيجابيات، ليخلق حالة من الجمال الأخلاقي تفاعل معها الجمهور المصري لمدة عقود كاملة، حتى جاء الفنان مصطفى خاطر، ليظهر جانب سيء من هذه الشخصية في برنامج شكشك شو، واتخذت أسرة «رحمي» ضده كل الإجراءات القانونية ضده، وحصلت على حكم بإيقاف البرنامج بعد إذاعة 13 حلقة منه، حسب كلامها: «مصطفى خاطر غير الشخصية تماماً شوه كل حاجة فيها مطلع عم شكشك بتاع ستات وبيضحك ضحكة مش كويسة هو عملها لأنها حاجة مشهورة ولبس الروب والطربوش.. رفعت قضية عليه ووقفت البرنامج».

حصل «رحمي»، على جوائز عديدة في المهرجانات العربية كما نال جائزة عالمية من شنغهاي، وحتى بعد وفاته جرى تكريمه ثلاث مرات من مهرجان سينما الطفل عام 2001 ومهرجان الإذاعة والتليفزيون عام 2002، وفي عام 2010 كان اليوبيل الذهبي للتليفزيون من نصيبه بمناسبة مرور 50 عاما على ريادة الفن التليفزيوني.

شارع محمود رحمي
كما أطلقت الدولة اسم الفنان محمود رحمي، على الشارع الذي يسكن فيه عام 2004.

رسالة زوجة «رحمي»
وجهت زوجة «رحمي»، رسالة إليه ببعض العبارات التي تحمل كل الحب إليه قائلة: «فنان مصري عبقري خلق ما كان يفتقده الفن لتحقيق الترابط بين الأسرة المصرية، لذلك لن تفرط في أي شيء من مجهوده الذي يدل على كينونته».
تعليقات الفيسبوك