«كنت بحلق للناس بـ 50 مليم، دلوقتي بـ 50 جنيه».. هكذا وصف «عم سعيد»، في العقد السابع من عمره، تبدل الأحوال بمرور الزمن، مصرا على مقاومة الشيب بالعمل داخل صالون الحلاقة الذي توارثه عن والده بحي عابدين في محافظة القاهرة، وبالرغم من كِبر سنه وجسده الواهن، إلا أنه لا زال يُمسك بآلات الحلاقة بطريقة تشير إلى تاريخه في المهنة الذي تجاوز خمسة عقود، علَّم خلالها أجيالًا عديدة.
على جانب الطريق بأحد شوارع حي عابدين، يقبع صالون حلاقة «عم سعيد»، تعكس محتوياته، عمره الذي امتد لأكثر من 80 عامًا، بدءًا من ديكوراته الهادئة مرورًا ببعض آلات الحلاقة القديمة، ووصولًا إلى الصورة المُعلقة على الحائط ويظهر بها عجوز مُرتديًا بذلته وطربوشه الأحمر.
داخل الصالون يقف «سعيد عبدالعزيز»، صاحب الـ 63 عامًا، استأذن الزبون بأدبٍ شديد ليتوقف قليلًا، ثم راح عاد بذاكرته في حديثه مع «الوطن»، ليروي بداية تعلَّمه مهنة الحلاقة وهو في الثالثة عشر من عمره، على يد شقيقه الأكبر، ليُكمل الآن 50 عامًا في المهنة تعلم على يديه خلالها أجيالًا كثيرة.
صالون حلاقة يمتد تاريخه لـ 1940
التقط «عم سعيد»، أنفاسه، وكأنه يتنهد حنينًا للماضي الذي راح يغوص في أغواره أكثر، موضحًا أن هذا المحل يعود تاريخه إلى عام 1940، ورثه عن أبيه الذي رحل عن الدنيا تاركًا خلفه صورًا ومشاهد لا زالت حية في ذاكرة سكان المنطقة: «الناس كلها تشهد على نزاهة والدي.. كان بيحلق للناس وهو لابس البدلة والطربوش»، مُضيفًا أنه لا زال يحتفظ ببعض آلات الحلاقة التي استعملها والده، مثل الموس والبدارة وكوب زجاجي يُستخدم لتطهير الأدوات.
«أنا حلقت للناس من أيام ما كان تمن الحلاقة 50 مليم دلوقتي 50 جنيه».. قالها الرجل بصوت اختلطت فيه مشاعر الاشتياق للماضي والفخر بالتاريخ الطويل في المهنة، مُضيفًا أنه بالرغم من عدم رضاه عن بعض التسريحات التي ظهرت وانتشرت بين الشباب مؤخرًا، إلا أنه يستطيع تنفيذ جميعها، ما جعل معظم زبائنه من فئة الشباب: «بعمل للزبون اللي هو عايزه»، لافتًا إلى أنه أعتاد ألا يطلب أجرا معينًا لعمله، تاركًا الأمر لتقدير الزبون.
«عم سعيد»: دي مهنتي اللي صرفت بيها على عيالي
بعض العادات في مهنة الحلاقة، كما يرى «عم سعيد»، اختفت عن عالمنا اليوم، مُشيرًا إلى أن الحلاق كان يحرص على قص أظافر زبائنه وخاصة كبار السن، وأيضًا الزبون كان تلديه القدرة على تمييز ومعرفة الصنايعي الشاطر المُتمكن من مهنته بعكس الآن: «دلوقتي الهندسة في الصنعة اختفت وخاصة مع ظهور مكن الكهربا»، مُضيفًا أنه رغم كل شيء، لا يزال يحب المهنة ولا يُريد الابتعاد عنها خلال سنوات عمره المُتبقية: «دي مهنتي اللي صرفت بيها على عيالي، وده محلي اللي ورثته عن والدي واللي مش هفرط فيه لحد ما أموت».
تعليقات الفيسبوك