بينما تزدحم السوق بالمارة والباعة الجائلين، كلٌ يحاول ترويج بضاعته بأسلوبه الخاص، يقف الشاب الثلاثيني «رجب»، ابن محافظة المنيا، بهدوء ملحوظ على جانب الطريق، ليخطف بصَمته ومهارته في عمل العسلية البلدي نظرات واهتمام الجميع من حوله، ينظر بعضهم ليرى كيفية عملها، والبعض الآخر ينتظر للاستمتاع بطعمها.
من بين انهماكه في ترويض كتلة العسلية الساخنة على الرخامة من أمامه والتي تُشبه قطعة من الصلصال، بدأ رجب حسب الله، 35 سنة، يحكي في حديثه لـ«الوطن»، أنه من أبناء مركز مغاغة محافظة المنيا، وقد ترك أسرته وذهب رفقة شقيقه لمحافظة الجيزة؛ بحثًا عن رزقهما، مُضيفًا أنه حاصل على شهادة دبلوم صنايع وعَمَلَ فترة في مهنة النجارة.
بداية عمل «رجب» للعسلية البلدي
«شفت واحد صاحبي بيعملها قدامي فعجبتني طريقتها وقلت أجربها».. هكذا قال «رجب»، والذي أضاف أنه خاض تجربة عمل العسلية البلدي لأول مرة لأسرته في المنزل، وعندما نالت إعجابهم تشجع وأخذ الخطوة ليبدأ مشروعه الجديد من خلال عملها في الشارع وتقديمها للزبائن مُباشرة: «مشروع مش مُكلف وحلو جدًا لأي شاب محتاج يبدأ حياته»، وأنه لا يحتاج لشيء سوى عسل أسود وسكر وريحة حلويات بالإضافة إلى النشا.
يبدأ الشاب الثلاثيني رحلته في عمل العسلية البلدي بخلط العسل الأسود والسكر وريحة الحلويات، جيدًا ثم وضعها على نار عالية لمدة 45 دقيقة حتى تتماسك قليلًا وتتخلص من حالتها السائلة، وبعد أن تُصبح كتلة واحدة أشبه بالصلصال، يُخرجها ليضعها على الرخامة المدهونة بالزيت من أمامه ليبدأ في مرحلة جديدة وهي تقليبها بسكينة معجون لِما يقرب من 20 دقيقة: «بتبقى عاملة زي البلاستيك السايح لو لمست الأيد هتطلع باللحم»، وفقًا لـ«رجب»، وأنه يظل يتعامل معها بالسكين حتى تبرُد قليلًا ويُمكنه مسكها بيده.
تحوُّل لون العسلية من البني للأصفر الفاتح
دقائق أخرى يظل فيها ابن محافظة المنيا يروض قطعة العسلية الطرية بيديه على الرخامة من أمامه، قبل أن يضعها على حديدة مُرتفعة قليلًا يُسميها المُسمار ليستمر في سحبها مرارًا وتكرارًا: «بفضل أسحب فيها على المسمار لحد ما لونها يبدأ يتحول للدهبي وبعده للأصفر وآخر حاجة للأصفر الفاتح»، مُضيفًا أنه بعد ذلك يُعيدها على الرخامة بعد أن تكون قد بدأت تتجمد أكثر، ويرش عليها كمية قليلة من النشا ليبدأ في تقطيعها بيده لما يشبه شرائط ملفوفة بطول متر تقريبًا، ويدعها تصل لصلابتها النهائية، قبل أن يبدأ في تكسيرها بالسكين لقطع صغيرة ثم يُغلفها ويُقدمها للزبائن.
«رجب»: زمان كان اسمها النداغة
«من الحلويات الجميلة جدًا ومن زمان الناس بتحبها»، هكذا قال «رجب»، وأنها قديمًا كانت تُسمى بالـ«نداغة»، مُضيفًا أن أكثر ما يُثير إعجابه، أن مكوناتها تحتوي على نسبة سكريات كبيرة وتتميز بمذاق شديد الحلاوة إذ تم تناول كلًا منها على حده، إلا أنه عند خلطها لعمل العسلية، يُصبح المذاق حلوًا بالدرجة المقبولة وكأنها لا تتكون من عسلٍ وسكر.
تعليقات الفيسبوك