مع غروب الشمس وحلول المساء، يتحرك أحد الأشخاص بحذر شديد حتى لا يلاحظه حاملا بين يديه طفلة، قاصدًا أحد المساجد، وفي لحظة خاطفة يتركها أمام باب المسجد لتواجه مصيرها المجهول.
هذا المشهد الدرامي قدمته السينما المصرية مئات المرات في أفلامها القديمة التي انتجتها قبل ثمانينات القرن الماضي، إلا أن المشهد تحول إلى واقع مرير يتكرر بنفس التفاصيل في 2022، والمحزن في الأمر، أنه لم يكن مجرد مشهد تمثيلي بل واقعة شهدتها «عزبة الأمير»، المجاورة لمدينة الخصوص التابعة لمحافظة القليوبية.
سكان تلك العزبة فوجئوا بطفلة لا يتخطى عمرها 3 سنوات لا يعرفون أسرتها، داخل مسجد «غريب»، خلال تواجدهم لتأدية صلاة المغرب، ليطالب أحد الأهالي المؤذن بأن ينادي عليها في ميكروفون المسجد، حتى يجدوا أهلها وفق رواية إبراهيم الأبنودي، أحد أهالي العزبة، الذي احتضن الطفلة في منزله إلى جانب أبنائه الثلاث الصغار، بعد فشل سكان العزبة في التوصل لأهل الطفلة.
شهامة ابن محافظة القليوبية تجلت منذ أن رأي الطفلة مع أحد جيرانه، إذ استدعى أولاده الثلاث وخرجوا يبحثوا عن أي شخص يعرف الطفلة بشوارع العزبة المختلفة لكن لم يتوصلوا إلى نتيجة: «فضلنا ندور لحد الساعة 10 بالليل، وفي الأخر طلعت على قسم الخصوص بلغت النيابة».
تعهدات أمام النيابة
تلك الأحداث المتسارعة تمت مساء الخميس الماضي، قبل أن يجد «سكر» نفسه أمام خيارين إما السماح للنيابة بتحويل الطفلة لأي ملجأ أيتام أو الاحتفاظ بالطفلة بعد إنهاء كافة الإجراءات اللازمة لذلك: «اختارت الطفلة تفضل معايا، خفت عليها من اللي جاي، فمضيت على نفسي تعهدات كتير للنيابة واصطحبت الطفلة علي بيتي».
ظهور الأم
مرت ساعات قليلة وبعد أن استقبلت زوجة الرجل الطفلة الصغيرة وأطعمتها، فوجئ رب الأسرة باتصال من إحدى السيدات تبلغه أنها تعرف أم الطفلة وتريد استلام الطفلة منه، لكنه أصر على تسليمها داخل قسم الشرطة حتى يطمئن أنها وصلت إلى والداتها بالفعل وليست أي سيدة تدعي ذلك، وهو ما حدث بالفعل بعد أن ذهبت الأم إلى النيابة وتعرفت عليها الطفلة بكل سهولة، لكن الصدمة الحقيقة لرب السرة الشهم، كان ما حدث بعد تسليم الطفلة بيوم واحد فقط، إذ فوجئ بأم الطفلة تزوره في بيته وتطلب منه أن يربي ابنتها برفقة أبنائه لأنها غير مقتدرة ولا تستطيع أن تنفق عليها، كما أن زوجها صاحب إعاقة ومتزوج عليها ولا يستطيع أن يدبر أي أموال على أن تزورها بين الحين والأخر لتطمئن عليها، وترجته أن يساعدها في ذلك، حتى لا يكون الملجأ مصير الطفلة: «فعلا خدت الطفلة منها ومعايا دلوقتي ومش عارف أعمل ايه، لأن ناس كتير من جيراني ومعارفي خوفتني من مسؤولية الطفلة، وفي نفس الوقت خايف عليها من المصير المجهول لو تخليت عنها».
الأم: «مش عارفة أصرف عليها ولا أختها»
وتواصلت «الوطن»، مع السيدة منى عبدالمنعم، والدة الطفلة الصغيرة، التي أكدت بدورها أن الظروف المادية والاحتياج أجبراها أن تترجي هذا الرجل ليكفل ابنتها: «باشتغل في مسح السلالم وأبوها من غير شغل، وعندي أختها أكبر منها بسنتين ومش عارفة أصرف عليها برضه».
تعليقات الفيسبوك