كعادته، استيقظ «حسين» من نومه قبل بزوغ الفجر، ليبدأ رحلته اليومية وطقوسه التي اعتاد عليها منذ سنوات، يخرج لبيع الخضار مبكرا، ويعود آخر النهار بمحصلة بيعه، وفي الغالب لا تتجاوز 100 جنيه، إلا أنه تأخر كثيرًا خلال اليوم الأخير، ولم يعد إلى أسرته التي تنتظره بشوق، وعندما بحثت الأسرة عنه بمعاونة أهل القرية، وجدوه مذبوحًا وجثته مُلقاة في حقلٍ بإحدى القرى المجاورة.
حسين عبدالله، طفل يبلغ من العمر 13 عامًا، تلميذ بالصف الثاني الإعدادي بالأزهر، من أبناء قرية «القصر»، شرق النيل بمركز نجع حمادي في محافظة قنا، مشهود له بحسن الخلق والأدب من جميع أهل القرية، لقي حتفه ذبحا على يد عاطل استدرجه للاستيلاء على حصيلة تعبه طوال اليوم.
عم الطفل: كان راجل وشهم وكريم
يحكي حسين إبراهيم، 39 سنة، عم الطفل، لـ«الوطن»، تفاصيل من تعرض له نجل شقيقه الراحل، مشيرا إلى أنه اعتاد على العمل في بيع الجرجير منذ أن كان عمره 6 سنوات: «كان يتميز بالرجولة والشهامة في تعاملاته كما يتميز بالكرم.. في أي وقت بنطلبه كنا بنلاقيه.. البلد كلها كانت بتحبه وزعلت عليه.. إذا طلب منه شخصٌ حزمةَ جرجير وهو لا يملك ثمنها كان يُقدمها له على الفور وبكل سخاء».

الطفل كان ينفق على أسرته من بيع الجرجير
اعتياد الطفل «حسين» على العمل في بيع الجرجير، جاء نتيجة الظروف والأوضاع المادية التي تعيشها أسرته، كان مجبرا على العمل ليعول أسرته بعد عجز والده عن العمل، وبرغم صغر سنه إلا أنه قرر التخلي عن متطلبات طفولته من راحةٍ ولهو برفقة أقرانه، واظب على الاستيقاظ مُبكرًا للعمل كل يوم دون شكوى أو ضجر: «متعود يصحى الساعة 2 الفجر يروح يجيب الخضار من الشادر»، قالها عام الضحية، لافتا إلى أنه يعود بعدها لغسل بضاعته ومن ثَم يشدُ رحاله بعربته الخشبية متجولًا في شوارع قريته والقرى المُجاورة بحثًا عن رزقه أملًا في العودة بقليل من المال يُقدمه لوالده بنهاية اليوم.

الواحدة أو الثانية ظهرًا هي الموعد المقرر لعودة الطفل إلى أسرته بعد انتهاء رحلة عمله الشاقة، إلا أنه في هذا اليوم المشؤوم، الأربعاء الموافق 8 من الشهر الجاري، تأخر الطفل ولم يعد ليُشبع تَلهُف أسرته عليه، ولم تمض ساعات حتى تيقنت الأسرة وأهل القرية بأن الطفل قد تعرض لحادث أو ضرر أخره عن موعد عودته.
ساعات طويلة قضاها أهالي القرية بحثًا عن الطفل «حسين»، آملين العثور عليه وتكذيب ما دار بمخيلتهم من ظنون أرهقت قلوبهم، لم تمض سوى عدة ساعات حتى تبيّن الجميع الأمر: «يوم الخميس الصبح لقيناه مذبوح وجثته في أرض زراعية تابعة لقرية المصالحة وهي قرية مجاورة لينا»، بحسب عمه.
رغم الفاجعة التي أصابت أهل القرية بسبب القسوة والوحشية التي قُتل بها هذا الطفل الصغير «شهيد لقمة العيش»، إلا أنهم وقفوا جميعًا على قلب رجل واحد ولم يغمض لأحدهم جفنٌ حتى أودعوا جثة الطفل مثواها الأخير واطمأنوا إلى أن الشرطة عثرت على الجاني وإتخذت حياله الإجراءات القانونية اللازمة.
ووفقًا لكلام العم، تبين أن المتهم بقتله المدعو «ح. ف»، يبلغ من العمر 34 عامًا، عاطل، مقيم بقرية الرحمانية قبلي بمركز نجع حمادي، استدرج الطفل «حسين» بحجة أنه لديه «دِكك» خشبية يرغب في نقلها على عربة الطفل: «القاتل في التحقيقات قال أنا لقيت معاه 100 جنيه ولما رفض يديهالي ذبحته برقبة زجاجة».
أسرة «حسين»: مش عايزين غير عدل ربنا
لم يكن قتل هذا الجاني للطفل «حسين»، هي الحادثة الأولى في المنطقة، فقبل الحادث بيومٍ واحد، اعترض الجاني طريق شقيقة القتيل الصغرى «بِدور»، وهي طفلة تعمل في بيع الخضار أيضًا واستولى على مبلغ مالي كما استولى على قرطها الصيني وفر هاربًا.
«مش عايزين غير عدل ربنا، وعدل ربنا بيقول العين بالعين.. لازم يكون فيه قصاص علَّ وعسى ده يبرد النار اللي في قلوبنا شوية»، هكذا أفصح العم عما يضيق به صدره، موضحًا أن أطفال القرية جميعًا، أصابهم الخوف والذعر ولا يرغبون في الخروج من منازلهم أو اللعب برفقة أقرانهم في الشارع.
تعليقات الفيسبوك