«جدو قرني»
«أنت مراقب معانا هنا؟.. لأ، أنا طالب.. طالب إزاي!!»، كان ذلك الحوار الذي دار بين أحد المراقبين في لجنة امتحانات الثانوية العامة و«قرني محمد شعبان برعي»، صاحب الـ73 عاماً، ابن قرية «الغُريّب» بمركز سنورس في محافظة الفيوم.
لم يتوقع المراقب أن يقوم مُسن في مثل عمر «جدو قرني» بأداء امتحانات الثانوية العامة، حيث أدى أكبر طالب ثانوية عامة الامتحانات برفقة ابنته «ياسمين»، أصغر أبنائه، التي لم يمكنها الحصول على درجة النجاح في مادة اللغة الإنجليزية، بينما اجتاز والدها الامتحان، بحصوله على مجموع بلغت نسبته 56%.
في منزل بسيط، لكنه شديد النظافة، يجلس «جدو قرني»، الشهير بـ«أكبر طالب بالثانوية العامة»، يستقبل جيرانه الذين توافدوا عليه لتهنئته بنجاحه في الثانوية العامة، والدعاء له بالتوفيق وتحقيق حلمه في الالتحاق بكلية الحقوق، وهو الحلم الذي طالما راوده طوال ما مضى من عمره.
تحدث «جدو قرني» لـ«الوطن» قائلاً إنّه حصل على دبلوم فني، ثم عمل موظفاً في الوحدة المحلية بقرية «بيهمو»، ودخل امتحانات الثانوية منذ 56 سنة، لكنه لم يمكنه اجتياز الامتحان، بسبب مروره بظروف أسرية ومادية صعبة، وعدم قدرته على المذاكرة، مشيراً إلى أن خرج على المعاش منذ 13 سنة، وكان يقوم بتأسيس محل ليدر منه دخلاً ينفق منه على أبنائه الأربعة، خصوصاً أنّهم جميعهم كانوا في مراحل تعليمية مختلفة، وانتظر حتى تحسنت ظروفه، ثم التحق بالثانوية العامة العام الماضي، ولكنه قام بتأجيل مادة امتحنها هذا العام، ونجح في الثانوية العامة 2021، وحصل على مجموع 229 درجة، بما يعادل 56%.
وأشار «جدو قرني»، في حديثه لـ«الوطن» إلى أنّه كان يذاكر 4 ساعات يومياً، بينما ابنته كانت متفرغة وتذاكر ليلاً نهاراً، وهو نجح، بينما رسبت ابنته في مادة اللغة الإنجليزية، ومن المقرر أن تؤدي الامتحان بها في الدور الثاني، موضحاً أنّه لم يكن يذاكر معها، بل كان يفضل أن تعتمد على نفسها وتذاكر دروسها بنفسها، موضحاً أنّ ابنه الأكبر حاصل على دبلوم، بينما ابنتيه التوأم، إحداهما بكالوريوس زراعة، والثانية بكالوريوس تجارة، وآخرهم «ياسمين»، الطالبة بالصف الثالث الثانوي.
وكشف «جدو قرني» أنّه كان يأخذ دروساً خصوصية في اللغات فقط الإنجليزية والفرنسية بينما كان يعتمد على نفسه في باقي الدروس، موضحاً أنّه كان يذهب للمدرسة ويحضر الحصص ويستمع للشرح برفقة الطلاب الذين كانوا يستغربون وجوده في الفصل، لكنه لم يكن يأبه لانتقادات أحد وكان يفكر فقط في تحقيق حلمه، مؤكداً أنّ المدرسين ومدير المدرسة كانوا يساعدونه ويقدمون الدعم له.
وأوضح أنّه سيحقق حلمه بالالتحاق بكلية الحقوق، وسيحرص على المذاكرة حتى يتخرج منها بنجاح، مؤكداً أنّ نظام الـ «بابل شيت» هو أفضل أنظمة الثانوية العامة، ويميز الطالب المتفوق من الطالب الغير متفوق نظراً لكونه يعتمد على الفهم بخلاف الأنظمة القديمة التي كانت تعتمد على الحفظ فقط، ناصحاً الطلاب بضرورة الالتزام والمذاكرة والتركيز في دروسهم وعدم إضاعة الوقت حتى يتمكنوا من تحقيق أحلامهم.
وشدد «جدو قرني» على أنّه يجب على كل شخص أن يواصل تعليمه ولا يهتم بعمره ولا يأبه بـ «كلام الناس» فقط يركز على تحقيق هدفه وحلمه، ويطيع تعليمات الرسول حينما قال «اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد»، كما أنّه لا يمكن أن يتوقف الانسان عن الأحلام والسعي لتحقيقها قائلاً "لو بطلنا نحلم نموت".
وأردف أكبر طالب في الثانوية العامة، إلى أنّه يحلُم بتوفير فرص عمل لابنتيه التوأم الحاصلتين على بكالوريوس زراعة وتجارة حتى يتمكنوا من مواصلة حياتهن ويكون لهن مستقبل جيد، ولا تعانين بسبب ضيق الحال.
تعليقات الفيسبوك