كوم من الأحذية المهلهلة بعضها حريمي وأكثرها للرجال، داخل شقة متواضعة في قرية العزاوي مركز سمنود بمحافظة الدقهلية، يجلس خلفه رجل بجسد سمين ولحية كثيفة، يمسك بيديه خيط سميك وإبرة طويلة، يحيك بها الأحذية ويعالج تلفياتها، ليحولها من تالفة إلى أخرى جديدة، بحرفية شديدة ودقة بحيث لا تظهر آثار الخياطة، ولما لا، وهو يعمل في تلك المهنة منذ زمن بعيد، ينتهي من الحياكة حينما يأتي موعد تسليم الحذاء للزبون، لا يقوم من مكانه بسبب الشلل النصفي الذي يعاني منه، بل تساعده زوجته، وتأخذها نحو الباب لتسلمها للزبون وتتقاضى المقابل، وهي تسير في «عرجة» ظاهرة بقدمها اليسرى، بسبب معاناتها من شلل الأطفال.
حمادة عوض حامد يوسف، وسوما إبراهيم، زوجان من ذوي الاحتياجات الخاصة، اقتادهما القدر للزواج بمساعدة إحدى الجمعيات الخيرية منذ 8 سنوات وتحديدا في عام 2013، ظروفهما جمعت بينهما، فوجد كل منهما «السند» في شريك حياته، وعاشا مع بعضهما «ع الحلوة والمرة» يعمل حمادة في تصليح الأحذية وتساعدة الزوجة الأصيلة، ولكن حال الحياة الصعبة لم يتركهما ليسعدا كثيرًا، وحاجتهما الملحة للرزق عكرت معيشتهما الهادئة.
حمادة «جزمجي» من ذوي الإعاقة عانده الحظ.. حاول أخذ قرض فحُرم من معاشه
حاول الزوج أن يحسن من المعيشة، ففكر أن يأخذ قرضًا من أحد البنوك، ولكنه احتاج إلى سجل تجاري وبطاقة ضريبية، فاستخرجهما كي يستطيع جلب الأموال، ولكن في النهاية لم يتمكن من الحصول عليه، ليس ذلك فحسب، بل إنه فقد معاشه الدائم أيضًا بسبب تقديمه سجلا تجاريا بأنه «جزمجي»، على حد قوله لـ«الوطن»، وهو ما أفاد بأنه «أعمال حرة» وتسبب في قطع معاشه، «رجعت لغيت السجل التجاري وحاولت أرجع المعاش تاني ماعرفتش».
تصليح الأحذية التالفة، كان الحيلة الوحيدة لكسب الزوجين للرزق، ولكن بعدما ضرب فيروس كورونا العالم، أصبح الإقبال على تصليح الأحذية قليلًا، حاله كحال أغلب المهن اليدوية، وأضحى «حمادة» يشعر وأنها مهنة غير مجدية، «ممكن أقعد بالأسبوع ماشتغلش، واللي بييجي يخيط بيجيب جوز ويدفع 10 جنيه وشكرا، وفي ناس بتحاسب بعدها كمان، طب أعيش منين؟».
لدى الزوجين ولد وبنت توأم في الصف الأول الابتدائي، يريدان أن يوفرا لهما معيشة جيدة مما هما فيه، بعيدًا عن قسوة الحياة وضيق الرزق الذي يضرب المنزل البسيط، «أنا اتخنقت من القعدة، نفسي أهل الخير يشوفولي تروسيكل أكل منه عيش، أحط عليه بضاعة وأوزعها وأعيش منها، شغلانة ثابتة بدل اللي أنا فيه ده، مجهود وتعب على الفاضي، نفسي حد يساعدنا ويرجعلنا كمان المعاش بتاعي وبتاع زوجتي تاني».
تعليقات الفيسبوك