توكتوك بسيط، يجوب شوارع كفر علو بمنطقة حلوان، صوت القرآن بداخله يتغلغل داخل آذان من يمر بجوارهم، بخلاف أغلب سائقي التوكتوك الذين يرون في المهرجانات الشعبية صديق لرحلاتهم اليومية مع الزبائن، ما يطرح سؤال مُلّح عن ماهية الشاب الذي يجلس خلف طارة القيادة، ولا عجب حينما يظهر رجل ستيني خلف الزجاج الأمامي، يبحث عن رزقه اليومي داخل مركبة بـ 3 عجلات.
ناصر صالح، رجل كبير في السن بجسد ممتلىء، للوهلة الأولى توحي ضخامة جسده بأنه في صحة وعافية منحها له الله، ولكن بعد معرفة حاله، يتضح أن المتسبب في تلك الزيادة هي العمليات والعقاقير التي حصل عليها ابن حلوان، من أجل أن يشفى من الجلطة التي ألمت بساقه وأتعبت ظهره، مع بعض المشكلات في عينه التي أجبرته على ارتداء نظارة سوداء خلال القيادة.
سكان المنطقة قد يرون أن مهنة سائق التوكتوك قد لا تليق بشيبة عم ناصر، ولكنه يخالفهم الرأي، قائلا، «أنا ماحدش بيأكلني ولا يديني جنيه، اشتغلت 10 مهن مختلفة، وعمري ما قعدت من شغل، كنت أطلع من هنا على هنا، وأجيب الجنيه من أي حتة، لحد ما جاتلي جلطة رجلي هي اللي تقلت حركتي وعجزتني».
عم ناصر: اشتغلت كل حاجة.. والتوك توك بيأكلني عيش
حداد، نجار، كهربائي، عامل رخام، سباك،... وغيرها من المهن الشاقة، عمل بها صاحب الـ60 عاما، على مدار عمره، تحمل يده التي تمسك بمقبض بنزين التوكتوك، علامات الشقاء، وتحكي الشعيرات البيضاء التي غزت رأسه عن جهد سنوات ضاع على مصاريف أبناءه وأسرته.
لم يجد «عم ناصر» مفر لإيجاد لقمة عيش حلال سوى العمل على توكتوك على حد قوله لـ«الوطن»، بعد أن اشتد عليه مرض ساقه، وتراكمت عليه مصاريف العلاج، «بقى عليا فلوس علاج ومصاريف بيت وطلبات مدارس ودروس أولادي، أجيب منين ولا منين، لقيت التوكتوك هو الحل، والإيد الشقيانة كسبانة».
يدرك الرجل الستيني أن التوكتوك لا يقدر سنه، وأحيانا يجمعه بمن يصغرونه بـ40 سنة ويمكن أكثر، ولكن يطلق جملة بعد نفس طويل وابتسامة رضا «لو سيبته آكل عيش منين؟»، على أمل أن يأتي اليوم الذي يجد فيه عمل يناسب إمكانياته، ويرحمه من السير في الشوارع بحثًا عن زبون.
تعليقات الفيسبوك