بمجرد أن يطأ أحدهم بقدميه شارع المواصلة في منطقة الإمام الشافعي بالقاهرة، ينتقل بمشاعره إلى أرض النوبة، الجدران مزينة بلوحات فنية ملونة لكل منها حكاية، ربما لم يسع الوقت لسماع تفاصيلها في جلسة واحدة، قضى الشاب الأسواني «عبد الرحمن رضا» وقتًا طويلا لرسم خطوطها بريشته، قلبه متعلقًا بمنشأه وأرض والديه وأجداده، فجعل من بيته وشارعه مقصدًا لمن اشتاق إلى «أرض الذهب»، وتجمعًا على موائد الفطار والسحور لكل من اغترب عنها يستعيدون فيه ذكريات لا يجلوها الزمن من الذاكرة.
يدرس التجارة ويهوى رسم الجرافيتي
على قارعة طريق جانبي في حي الإمام الشافعي القريب من ميدان السيدة عائشة بالقاهرة، يقع منزل «عبد الرحمن رضا»، والذي أتى من أسوان إلى العاصمة لظروف الدراسة.
كان مراهقا يخطو خطواته الأولى إلى التعليم الجامعي، ومضت السنوات ولا يزال حب بلاد النوبة متملكًا من روحه، لم يتخل عن كثير من العادات التي رواها عليه جده ووالديه في صغره، «مجال دراستي في كلية التجارة مش مرتبط بالرسم بس كان هواية من طفولتي كنت برسم على الورق وعمتي بتساعدني»، حتى جاءته الفرصة لتجربة الرسم الجرافيتي أول مرة على جدران غرفة صديقه المقرب، فالتمس في نفسه موهبة لم تكن في الحسبان، بحسب روايته لـ«الوطن».
قرار جرئ اتخذه الشاب العشريني خلال دراسته بالمرحلة الجامعية للتمسك بعادات وتقاليد النوبة، انخرط في عالم الرسم الجرافيتي للتراث النوبي والإفريقي، طاف بريشته وألوانه يحول جدران الشوارع كالحة اللون إلى لوحات ناطقة، لكل منها معنى وحكاية، «معتز بهويتي المصرية والنوبية وبحاول أنشر ثقافة بلادي في كل مكان وانشر توعية أكتر عن النوبة واللغة النوبية، نظراً لعدم علم الكثير من الناس عنها رغم إن اللغة استخدمت في الحرب كشفرة»، يروي الشاب الشهير بـ«رضا جرافيتي» سبب رسمه لجدران شارع والشوارع الجانبية المجاورة بتلك الرسوم النوبية الملفتة للمارة.
جرافيتي بكار يجذب المارة
يوم واحد أو إثنين على الأكثر، هو الوقت الذي يستغرقه «عبد الرحمن» لرسم الجرافيتي الواحد، تطرأ الفكرة على ذهنه فجأة، فيترك مقعده ويتجه نحو الشارع ويبدأ في رسم ملامحها، «كل رسمة ليها معنى وهدف، في رسمة لشصية بكار بيقول كاتشير تيجيويه، اللي معناها خليك في البيت باللغة النوبي للتوعية في ظل أزمة كورونا»، وبحسب وصفه لاقت الرسمة الكثير من التفاعل من جميع الأعمار وليس فقط الأطفال لتأثير شخصية بكار على جميع الأجيال.
هواية «عبد الرحمن» تحولت بالوقت إلى جزء من روتين حياته، كلما وجد حائط كالح اللون يقرر تغييره بريشته إلى لوحة فنية ملونة بألوان زاهية: «رسمت جرافيتي نوبي في إسكندرية وأسوان كمان مش بس في منطقتي، عايز الكل يعرف هويتنا».
تعليقات الفيسبوك