قبل مساء السابع من يوليو عام 2019، كل الأمور كانت مثالية، أو بشكل أدق أكثر من مثالية في حكاية المهندس والرسام أحمد جعيصه، فالنجاح على المستوى العملي والحياتي كان رفيقيه؛ إذ كان يعيش في هدوء تام من بيته إلى عمله، والعكس، مستخدما في تلك الرحلة اليومية دراجة بخارية تسعفه في الوصول إلى مواقع عمله مبكرا، ويوم الجمعة يعتمد عليها في الذهاب إلى إحدى المناطق السياحية رفقة اصدقائه، للاستمتاع بيوم الإجازة برؤية الجمال الخلاب لتلك المناطق في مصر.
لكن مع حلول مساء هذا اليوم، بشكل مفاجىء وبدون سابق إنذار، كل الأمور فقدت مثاليتها، وأظهرت الحياة لخريج كلية الهندسة أكثر من مؤلم لكل من يحبوه ويعرفوه؛ إذ تعرض لحادث خرج منه بدون إحدى قدميه التي تعرضت للبتر، وبذراع يمنى احتاجات للكثير من التدخلات والعمليات الجراحية، حتى يستطيع الاعتماد عليها في حياته من جديد، حسبما يقول «جعيصه» في حديثه لـ«الوطن»، مضيفا: «إيدي اليمين فيها 4 شرايح، وحوالي 22 مسمار».
تفاصيل لا تنسى
هذه المشهد في حياة المهندس لا ينساه ولا يتنساه، فكل تفاصيله محفورة ومحفوظة في ذاكراته، فقاعدة أن الأيام تُنسي لا تعمل معه، مؤكدا: «المشهد ده عمره ما هيتنسي بالنسبة لي، ده أنا حتى فوقت منهم في العمليات وكانت ليلة رزقا، وفاكر كل تفاصيل الحادثة واسم المسعف، وحتى أشكال الناس اللي وقفت، وكل تفصيلة لدرجة إن أنا اللي طلبت الإسعاف لنفسي».
قهوة في حتة بعيدة
بدأت بـ «فاضي شوية نشرب قهوة في حتة بعيدة»؛ إذ كان متجها حينها «جعيصه»، إلى مجموعة من أصدقائه ليشربون سويا قهوة، متابعا: «الحادثة حصلت يوم 7/7/2019، في شارع صلاح سالم الساعة 11 بالليل، كنت رايح أشرب قهوة مع أصحابي، وعربية كانت داخلة يمين وفجأة غيرت اتجاهها للشمال، قبل مطلع الكوبري، فخبطتني طيرتني من فوق الموتسكيل، فوقعت على الطريق قدام اللي جايين بيجروا طالعين الكوبري، وواحد داس عليا بالعربية، والأتنين جريوا»، مواصلا حديثه: «قمت من المستشفى تاني يوم من غير رجلي الشمال وإيدي اليمين مقطومة».
بطل حقيقي
ويشير «جعيصه» إلى أنه احتاج فترة طويلة تصل إلى 8 شهور وأكثر مع العلاج الطبيعي والتأهيل، مستطردا: «عقبال ما قدرت استخدم طرف صناعي، وإيدي رجعت تشتغل تاني».
يرسم بمكواة حرق الأخشاب
الحياة دائما ما تجبرنا على اختبارات صعبة، والبطل الحقيقي في تلك الحياة، هو القادر على اجتياز تلك الاختبارات بنفس مؤمنة بقدر الله وراضية ومثابرة، فنتيجة تلك الحادثة صعب على «جعيصة» أن يمارس عمله كمهندس من جديد، موضحا: «طبعا شغلي كمهندس بقى صعب إني أمارسه، وأنا بالحالة دي، عشان بتيطلب أني أطلع شدات معدنية، وانزل استلم حفر وقواعد وحاجات زي كده»، وبدلا من الاستسلام لهذا الواقع المرير، سطر مشهد بطولي باستخدامه لهوايته بالرسم بمكواة حرق الأخشاب واعتمد عليها في بناء Career جديد له بعيدا عن الهندسة المعمارية.
النهاية سعيدة والسعي مستمر
صاحب الـ 33 عاما المتزوج والعائل لأسرته، يعمل حاليا كرسام وصنع العديد من اللوحات الفنية الأكثر من رائعة، التي تنال إعجاب كل من يشاهدها، لافتا: «بدأت أحول هوايتي للرسم بالحرق على الخشب لشغل بداية من فبراير 2020، والحمد لله العملية لطيفة جدا وفي نفس الوقت بعمل حاجات تفرح الناس»، ليسجل نهاية سعيدة لحكاية مليئة بالأحداث ويتخللها حادثة لا يستطيع أي أحد أن يتعافي منها، ويكمل حياته، لكن بطل تلك الحكاية فعل ذلك ومستمرا على فعله.
تعليقات الفيسبوك