منذ سبعينيات القرن الماضي، لم يكن هناك مثل هذا الاكتشاف المهم من الحرب العظمى في فرنسا، في غابة على تلة ليست بعيدة عن مدينة ريمس، رقدت جثث أكثر من 270 جنديًا ألمانيًا لأكثر من قرن بعد أن ماتوا أكثر الوفيات التي يمكن تخيلها.
عثر فريق من المؤرخين مكون من أب وابنه على مدخل نفق «وينتربرغ» في منطقة «Chemin des Dames» الفرنسية، ووجدا بداخله أكثر من 270 جثة لجنود ألمان ماتوا أثناء اندلاع الحرب العالمية الأولى والتي كانت فرنسا وألمانيا إحدى الجهتين المتنافستين بها.
ولم يكن اكتشاف النفق من نصيب فريق المؤرخين فقط، حيث عثر مجموعة من صائدي الجوائز على مدخله وحفروا به فجوة يبلغ عمقها نحو 3 أمتار قرب المدخل وعثروا على رفات جثث وفؤوس وبنادق ترجع إلى تلك الفترة العصيبة، وفقا لشبكة «بي بي سي» البريطانية.
وفي ربيع عام 1917 شن الفرنسيون هجومًا محكومًا عليه بالفشل لاستعادة التلال التي تقع في خط الغرب الشرقي على بعد أميال قليلة إلى الشمال من نهر أيسن صد الألمان.

وعلى مدار عامين نجح الألمان في تكوين نظام دفاعات سري معقد وحفر العديد من الأنفاق في منطقة Chemin des Dames الفرنسية.
وبالقرب من قرية Craonne، أنشأ جنود ألمانيا نفق وينتربرغ الذي امتد لمسافة 300 متر من الجانب الشمالي وزودوه بعدة خنادق على المنحدر المواجه للجنوب لتعزيز خطوط الدفاع.

وفي 4 مايو 1917، أطلق الفرنسيون قصفًا مدفعيًا استهدف طرفي النفق، وأرسلوا منطادًا للمراقبة للحصول على المنحدر المواجه للشمال.
ونجحت إحدى القذائف في هدم مدخل النفق، ما أدى إلى مزيد من الانفجارات من الذخيرة التي كانت مخزنة هناك، كما أغلقت قذيفة أخرى المخرج.
وحوصر رجال الفرقة العاشرة والحادية عشرة من فوج الاحتياط 111 الألماني، على مدى الأيام الستة التالية، مع نفاد الأكسجين، إما أنهم اختنقوا أو انتحروا ويرجح أن طلب البعض من الرفاق قتلهم.

ولم ينج من الكارثة سوى ثلاثة رجال فقط ضمدوا لفترة طويلة قبل أن يتم إنقاذهم قبل يوم واحد من إعلان الهدنة واستسلام ألمانيا لفرنسا.
وقال أحد الجنود الذين تم إنقاذهم ويدعى كارل فيسر «كان الجميع يبحثون عن المياه، وآخرون تمنوا الموت للهروب من المصير المظلم إلى حد دفع بعضهم للانتحار عمدا».
وبعد إعلان الهدنة وسيطرة الفرنسي على التلال تخلي الجنود الألمان عن جزء كبير من أسلحتهم ولم يهتموا لاستعادة جثث ضحايا الحرب الدموية.

ومنذ انتهاء الحرب قبل عدة سنوات، تملك رجل فرنسي يدعى آلان مالينوفسكي شغف العثور على النفق، حيث عمل في مترو باريس في التسعينيات، وسافر يوميًا إلى العاصمة واستخدم وقت فراغه لزيارة الأرشيف العسكري في شاتو دو فينسين.

ولمدة 15 عامًا قام بتجميع الأوصاف والخرائط واستجوابات السجناء وفي عام 2009، صادف خريطة معاصرة أظهرت موقع النفق الشهير والذي أصبح خاليا مجرد جزء من غابة، وأخبر السلطات بما عثر عليه إلا أنهم لم يهتموا به.
وعاون الأب ابنه «بيبر» البالغ من العمر 34 عاما، ويدير مؤسسة في موسكو لتعقب قتلى الحرب من عصر نابليون وعصور أخرى.

وفي يناير العام الماضي، قاد فريل من الحفارين إلى المكان الذي حدده والده، وعثروا على النفق «كان بداخله الجرس الذي كان يستخدم لدق ناقوس الخطر، مئات من عبوات أقنعة الغاز، قضبان لنقل الذخائر، رشاشين بندقية وبقايا جثث».
وكان ذلك الاكتشاف ليس النفق كاملا، وبالحفر أكثر عثر على ما يزيد عن 270 جثة تعود لجنود الألمان، وتبذل الآن جهودا حقيقية لتعقب أحفاد أولئك الذين لقوا حتفهم في النفق، بالتعاون مع السلطات الألمانية والفرنسية.
تعليقات الفيسبوك