أقباط يصنعون الفوانيس على أنغام الترانيم.. رمضان خيره على الكل
دقت الثانية عشرة بعد منتصف الليل، ولا يزال شباب كنيسة المطرانية يعملون بحماس رغم السهر والإرهاق، تلتقط أيديهم قصاصات «الخيامية» وألواح الخشب وأفرخ الكرتون، بينما يتولى آخرون قصّ هياكل الفوانيس بماكينة «ليزر» شديدة الدقة.. بديعة التصميم.
على سطح مبنى الخدمات بمطرانية السيدة العذراء ومارمرقس بمدينة 6 أكتوبر، كان المشهد ملهماً.. ما إن تطأ قدماك المكان حتى تشعر وكأن الزمن يعود إلى الوراء، يأخذك فى جولة بحوارى مصر القديمة، يستدعى مشاهد غائبة عن الشارع الآن لكنها حيّة فى وجداننا، حين كان الصبية يجتمعون لتزيين البيوت والأزقة بالورق الملون وأفرع النور استقبالاً للشهر الكريم، الكل على قلب رجل واحد، «محمد» كان أو «جورج».
«مين مايحبش رمضان والزينة واللمة؟! بنستناه من السنة للسنة، وبنستعد له من أول رجب»، كلمات «فوزى نصيف» عززتها ابتسامة مستقرة على وجهه ونظرة شاردة تستدعى الذكريات التى يحاول ومتطوعون مسيحيون إحياءها بتنظيم ورشة لتصنيع زينة الشهر الكريم من قلب المطرانية، لتتضافر الاحتفالات وتمتزج المشاعر، هكذا كان الحال قديماً وسيظل بين نسيج الأمة.
رحلة إلى شارع «الأزهر» اعتاد المتطوعون القيام بها فى منتصف شهر رجب، لشراء مستلزمات الزينة «توبين من قماش الخيامية بألوانها الزاهية وخيوط وإكسسوارات وشمع للصق»، غير عابئين بتكلفة يتحملونها من جيوبهم الشخصية، فقط لإسعاد أنفسهم قبل الآخرين، لتستقر الخامات فى المطرانية، وتبدأ مرحلة الاتفاق على أشكال الزينة المطلوب تفصيلها بالطرز القديمة والحديثة، ليعقبها مرحلة التنفيذ.
على ألحان كنسية أخذ الشباب يرددون الترانيم وهم يُشكلون الفوانيس ويقصون أفرع «الخيامية»، أحدهم يلتقط طرفاً والآخر يثبّت القماش بالكرتون بخبرة اكتسبوها على مدار 6 سنوات، فيحكى «فوزى» وفريقه المتطوع لرسم البسمة على الوجوه أنهم للعام السادس على التوالى يطلقون مبادرة «أهلاً رمضان» يصنعون الزينة، ويهادون بها الكبار والصغار، فضلاً عن تعليقها فى دور الأيتام والمسنين وبمداخل العمارات السكنية، وقبل كل ذلك فى بيوتهم، المهمة التى لم يمنعهم عنها حتى وباء «كورونا»، والخوف من التجمع والإجراءات الاحترازية: «فى عز الوباء السنة الماضية، صنعنا الزينة وعلقناها ورسمنا البسمة على وجوه حزينة».
ساعات من العمل المتواصل لعمل الزينة، لم يقطعها سوى بضع دقائق تناول خلالها الشباب وجبة الإفطار، حيث بدأوا الصوم الكبير منذ أيام، وفور الانتهاء من آخر لقمة عادوا إلى مراكزهم، يسابقون الزمن للانتهاء من المهمة فى أسرع وقت، وتعليق الزينة فى أماكن متفرقة، اعتادوا أن تكون البداية فى مسجد «الكوثر» بالحى الحادى عشر بمدينة السادس من أكتوبر.
طلبة مغتربون من محافظات مختلفة يأتون إلى مدينة السادس من أكتوبر للدراسة فى المعاهد والكليات المختلفة، ينضمون إلى الفريق، يشاركون فى فعالياته المختلفة، وعلى رأسها «أهلاً رمضان»، ووفقاً لـ«فوزى»، منسق الفريق، بعضهم يستقر فى المنطقة بعد الدراسة، ويظل متمسكاً بالعمل التطوعى، متمنياً تصدير فكرة التطوع لرسم البسمة على الوجوه لمحافظات مختلفة: «مفيش أعظم من إنك تخلى شخص يضحك من قلبه».
اكتملت الزينة وبدت فى أبهى صورة، وقبل تعبئتها فى أكياس كهدايا وشحنها لأماكن تعليقها، أخذ المتطوعون يلتقطون صوراً تذكارية معها، هذا يحتضن فانوساً، وآخر يفتح ذراعيه لاستعراض فرع «خيامية» مقصوص بعناية وممتد لأمتار، وكان من بينهم المهندس بيتر عاطف، الذى انضم للعمل التطوعى بالمطرانية منذ عدة سنوات، وشهد ميلاد مبادرة «أهلاً رمضان»، التجربة التى يصفها بالممتعة، مؤكداً أن المحبة هى التى تدوم.
«قبل الحدث بشهر نجلس معاً للاتفاق وطرح الأفكار، ونحرص كل سنة على التجديد فى أشكال الزينة»، يقولها «بيتر»، الذى يحاول التوفيق بين شغله كمهندس والعمل التطوعى، حيث يشارك فى الفعاليات المختلفة فى إجازته الأسبوعية «الجمعة والسبت»: «العمل التطوعى بالنسبة لى ربما أهم من الشغل، فمع ضغط الشغل أحتاج لتجديد طاقتى، وهو ما يحققه العمل التطوعى فى ساعتين».
يُهدى «بيتر» زينة رمضان لكل مَن له فضل عليه ولأصدقائه ومَن يحتاج للبسمة، وقبلهم جميعاً يهديها لنفسه، حيث يحرص على تزيين غرفته والعمارة التى يسكن بها: «زينة السنة الماضية لا تزال معلقة فى غرفتى».
مسجد وهلال وفوانيس كرتونية وخشبية صنعها شباب المطرانية، فضلاً عن أطباق تذكارية وميداليات أنيقة وأفرع زينة من قماش الخيامية، وتمت تعبئتها بحذر شديد، حتى تصل لأصحاب النصيب بكامل بهائها، حيث أخذ المتطوعون يضعون قائمة ويرتبون للأماكن المطلوب تزيينها تباعاً، وكان أولها مسجد «الكوثر» قبل ساعات قليلة من حلول الأول من شعبان.
تعليقات الفيسبوك