على رصيف شارع رمسيس أمام مسرح الفن بمنطقة وسط البلد، تجلس مستندة على شجرة صغيرة ومجموعة من قطع الكراتين الورقية، عيناها غائرتان، زرقاوان، أثر إصابتهما بالمياه الزرقاء، لكن ذلك لم يمنعها من أن تحدق النظر في الجنيهات الورقية التي يضعها المارة في يدها، قبل أن تضعها في كيس مهترئ تخفيه بجانبها.
اسمها سمية أحمد، وعمرها تجاوز الـ90 عامًا، تجلس يوميًا على الرصيف منذ الصباح الباكر حتى قرب العصر، تخفي ملامح وجهها بشال تلتحف به من البرد القارس، ربما تريد ألا يعرف أي من جيرانها أو معارفها أنها تخرج يوميًا من منطقة شبرا حيث تسكن، إلى منطقة وسط البلد، لتتسول لقمتها وتجمع ما تيسر لها من نقود تعينها على الحياة.
تعيش وحيدة منذ 50 عاماً
أشياء كثيرة تحيط بالسيدة (أكياس بلاستيك متسخة، كراتين ورقية، بقايا طعام، أقمشة بالية، ونقود تحاول إخفائها)، ولا أحد يعرف من المارة عليها يوميًا أن خلف كل ذلك قصة حياة غريبة ترويها «سمية» لـ«الوطن: «ساكنة في أوضة صغيرة في شبرا، بقالي 50 سنة عايشة لوحدي، لا عندي أب ولا أم ولا أخ، اتقطعت من شجرة، كل أهلي ماتوا، وعمري في حياتي ما اتجوزت ولا خلفت».
في خضم الحياة ومشاكلها وضغوطها قد يفوت قطار الزواج ببعض الفتيات، لكن «سمية» لها قصة مختلفة كانت السبب في عدم زواجها طوال حياتها حسبما تعتقد: «زمان كنت عايشة مع أهلي في طنطا، واتقدم لي واحد أبوه بيشتغل في أعمال الدجل والشعوذة، أهلي رفضوا يجوزوني ليه، فأبوه عمل لي عمل بوقف الحال، بعدها جالي أكتر من 20 عريس، كل واحد فيهم أول ما يقعد معايا يطفش ومايرجعش تاني، أخويا خدني لمشايخ ودجالين، وكلهم قالوا إن معمول لي عمل صعب ومش هتجوز طول عمري».
بعد وصولها إلى الـ50 عاماً، يأست «سمية» من فك العمل وانصلاح حالها بالزواج، سبق ذلك وفاة والدها ووالدتها وشقيقها، فقررت أن تعيش الحياة بشكل مختلف: «معنديش بطاقة ولا معاش ولا ليا حد في الدنيا، والأوضة اللي عايشة فيها مفهاش إلا سرير ودولاب، لا فيها بوتاجاز أعمل عليه لقمة ولا تلاجة أشيل فيها أكل، فقلت في نفسي هقعد أعمل ايه، أطلع ألقط رزقي في أي مكان، كنت في الأول ببيع مناديل وبعد ما كبرت بقيت أقعد كده في نفس المكان، وولاد الحلال بيحنوا علي باللي فيه النصيب».
كل صباح يمنحها أحد العاملين في حراسة عقار مجاور لها «ساندويتش فول»، ويمنحها صاحب الكشك الذي تجلس أمامه «باكو بسكويت»، وعلى مدار اليوم تتلقى الكثير من الجنيهات الورقية والمعدنية: «جنيه من هنا على جنيه من هناك بجيب مصاريف يومي وبروح بتاكسي، واحد من شبرا بيجبني ويوديني بنص الأجرة عشان عارف إنى غلبانة، ما أنا مقدرش أركب أتوبيس ولا مترو، أنا لو وقعت واقعة بسيطة هتكسر».
تعليقات الفيسبوك