الحياة غالبا ما تكون شاقة، تتطلب بذل جهد كي تحصل على ما تريد، وأحيانا تجبرك على الترحال في سبيل الحصول على قوت يومك، وهو ما شهدته «أم أميرة» ابنة جنوب مصر التي لازالت تعاني بعدما فقدت السند، المتمثل في زوجها، بعد أشهر قليلة من فقد ابنتها التي كانت علي وشك الزواج.
رحلة السيدة حلمية محمد، بدأت رحلتها منذ أن كانت في محافظة أسوان، حتى تزوجت وانتقلت للعيش في رحاب قاهرة المعز، حياة سعيدة لكنها لم تكتمل .
صدمات متتالية
صدمات متتالية تعرضت لها «أم أميرة» جعلتها تشعر بأن لون السماء قد تغير ومال إلي السواد، فبعد أن كانت تعيش في سعادة إلى جوار زوجها الذي كان يعمل في شركات القطاع العام قبل أن يتم خصخصتها وتسريح عدد من العمالة المؤقتة وما نتج عنه من أضرار صحية لزوجها، جعلته يلجأ إلى مالك أحد العقارات بمنطقة وسط البلد كي يعمل حارس عقار، فهو لن يتمكن من العودة إلى أسوان مره أخرى بعد تلك السنوات، التي اقتربت من الثلاثين عاما.
بعد نبأ تسريحه من العمل أصيب الرجل بصدمه كبيرة أثرت على وظائف القلب، وظل يعاني فترة حتى وفاته المنية متأثرا بمرضه، بعد عدة أشهر من وفاة ابنته الكبرى التي رحلت قبل عدة أيام من حفل زفافها: «فضلت جنبه في مرضه 10 سنين، كنت بشتغل على العربية وأبيع علشان أوفر مصاريف العلاج».
الصدمة
انقلبت الأمور، وساءت الأحوال كثيرا، فكيف لتلك السيدة أن تتصرف وهي لا تعرف أحد في محافظة القاهرة، وذلك لأنها ذات أصول جنوبية: «مبقتش عارفة أعمل إيه ولا أتصرف إزاي، صاحب البيت كان رحيم بيا أنا وبنتي وقالي خليكي قاعده علي السطوح، ولمي الإيجار بدل جوزك ورزقي ورزقك على الله».
ست ب 100 راجل
وجدت السيدة السكن ولكن لازال العمل، ماذا ستفعل من أجل كسب قوت يومها إلى أن عرض عليها صاحب مقهي بالقرب من تلك العقار الذي تقطنه، أن يعطيها «عربة» حمص الشام التي كان يمتلكها قديما مجانا كي تتمكن من الإنفاق على ابنتها الوحيدة: «الحاج حمادة اداني عربية ببلاش، وقعدني في قهوته، وكان بمثابة أب ليا، وبعد ما توفي، ابنه مسبنيش وواقف معايا وقفة ابن لأمه».
سبع سنوات قضتها تلك السيدة في شقاء كبير بعدما فقدت الزوج والابنة، إلي أن تمكنت من تجهيز ابنتها، بعدما تمت خطبتها من أحد الأقارب: «قدرت استرها، واتجوزت من شهرين».
سنوات عديدة مرت وهي تحمل الانبوبة على رأسها مسافة تتجاوز ثلاثة كيلو مترات، كي تصل بها إلى عربتها: «كنت بروح سوق العبور أجيب البطاطس بالشوال، وأدخل المخزن من الفجر لوحدي، أقعد اقشر واقطع، كنت بقشر 4 شوال في اليوم الواحد، لكن دلوقتي بركت خلاص، مبقتش، قادرة، لكن لازم اشتغل مينفعش أقعد، هاكل منين لو قعدت».
الآن لازالت السيدة تعمل ولكنها بعدما أصيبت في أحد فقرات الظهر لم تعد تقوى على تقشير البطاطس ومن هنا لجأت إلي أحد الشباب الذي يقوم لتقشير كمية مناسبة من البطاطس وبيعها لها: «بغسلها تاني مرتين ويقلي والناس بتحب الأكل عندي والحمدلله اديني عايشة».
تعليقات الفيسبوك