يعيشون في أوجاع مستمرة لا يستطيعون مقاومتها، يستيقظون في منتصف الليل الساكن بهدوء الحركة بينما آلامهم لم تهدأ بعد، فتضطرهم إلى الذهاب لعمل جلسة كيماوي أو أخد علاج لتهدئها ولو لساعات قليلة، ربما وجد أحدهم تاكسي يستلقه هو وأسرته، وربما لم يجد فيصبح مجبرا على الانتظار للصباح حتى بداية عمل المواصلات العامة لنقله إلى مستشفى أورام الصعيد بطيبة.. معاناة متكررة يعيشها مرضى السرطان بالأقصر دفعت هيدرا حنا الذي مر بتلك الظروف مع أصدقائه الذين أصيبوا بسرطان الرئة، لتشغيل سيارته الملاكي لنقل مرضى السرطان إلى المستشفى مجاناً وفي أي وقت، فكانت مساعدته لهم لا تقل أهمية عن العلاج الذى يتلقونه.
هيدرا: مريض السرطان مضطر يمشي 400 متر على الأقل للوصول إلى المستشفى
لاحظ «هيدرا» صاحب الـ31 عاما، المعاناة التي يتعرض لها مرضى السرطان للوصول إلى المستشفى بالمواصلات العامة قائلاً: «العربية اللي بتوصلهم بتقف قبل المستشفى بنص كليو والمريض لازم يمشى 400 متر على الأقل عشان يوصل»، ومع انتشار فيروس كورونا بداية من العام الماضي وزيادة الحالات بمحافظة الأقصر ذات الطابع السياحي، أدرك مدى الخطورة التي يتعرض لها مريض السرطان إذا ما أصيب بالفيروس، فقرر أن يشغل سيارته الملاكي لنقل هؤلاء الفئة من المرضى إلى مستشفى أورام الصعيد بطيبة بشكل دائم، نظراً لبعد المستشفى عن الأماكن السكنية: «المريض لو مضطر يروح بالليل ممكن ما يلاقيش مواصلة تاني تكمل معاه للمستشفى فبيضطر يمشى مسافة طويلة وده تعب عليهم».
وضع «هيدرا» الذى شارك في الأعمال التطوعية مع جمعيات خيرية منذ عام 2011 لدعم متضرري السياحة، تليفونه الشخصي على سيارته التي شغلها لخدمة مرضى السرطان ووضع عليها شعار جمعية الأورمان صعيد بلا سرطان، فعندما يطلبه شخص يترك كل شيء ويذهب إلى منزل المريض ويصطحبه إلي المستشفى ويظل في انتظاره لحين انتهاء الجلسة ثم يعود به إلى منزله مرة أخرى، مضيفاً: «لو مريض محتاج جلسة بستني معاه وارجعه البيت، ولو حالته حرجة وهيتحجز بوصله واطلب منه يعرفني معاد خروجه عشان أوصله»، موضحاً أنه يقوم بتوصيل حالتين في اليوم الواحد، ثم يعود لمتابعة عمله «المشوارين بيخلصوا فى 6 ساعات، لو الظروف حكمت أكون معاهم طول اليوم مش هتأخر.. ربنا جعلني سبب ومحدش عارف بكرة مخبى لنا إيه.. عايز أقابل ربنا وأنا عامل حاجة كويسة».
هيدرا وفر أسطوانات أكسجين لمساعدة المرضى ومصابى كورونا
ومؤخرا حصل على وظيفة بإحدى الشركات الخاصة التي تعمل مجال القروض لكنه سرعان ما ترك العمل بها لاستغالها العملاء في السداد، وقرر أن يفتح محل ملابس خاص به، إلى جانب حرصة على الاستمرار في العمل الخيرى، على الرغم من أن ظروفه المادية لم تمكنه من ذلك فما يأتيه من «المحل» يكفيه بالكاد للإنفاق على أسرته المكونة من الزوجة وابنته مارسيا التي تبلغ 9 سنوات وأدام الذى يصغرها بـ 6 سنوات لكنه لم يبخل بسيارته.. «قلت أساعد على قد مقدرتي»، كما أنه اشترى أسطوانتي أكسجين لمساعدة غير القادرين ومصابى كورونا.. «اللي شفته خلاني أساعد أي مريض وخاصة الأطفال.. ولو عازوا دم منى مش هتأخر عنهم».
طفلة مسلمة تبلغ 12 عام.. أول حالة نقلها هيدرا بسيارته لمستشفى الأورام
فكرة «هيدرا» لنقل مرضى السرطان إلى مستشفى طيبة بسيارته الخاصة مضى عليها عام، ويتمنى أن تنتشر في أماكن كثيرة لمساعد مرض السرطان الفئة الأشد حاجة لهذه الخدمة للتخفيف من معانتهم «صحابي كان عندهم كانسر في الرئة شفتهم بيموتوا قدامي.. بيضطروا يروحوا المستشفى الساعة 3 الفجر ومفيش مواصلات»، فضلاً عن صعوبة جلسات الكيماوي، لافتاً إلى أنه لا يستثنى أحد من الخدمة التي يقدمها للمرضى بشكل عام دون النظر إلى الديانة «أول حد وصلته بعد ما خدت القرار كانت طفلة مسلمة عندنا 12 سنة.. احنا مسلم ومسيحي عايشين مع بعض بينا كل حب وعشرة سنين».
تعليقات الفيسبوك