بملابس أنيقة ومحتشمة وقفت «آبلة عفت عبد الكريم» أمام طلابها في مدرسة المشاغبين تمارس دورها التربوي، صغت لهم باهتمام وتفهمت أحلامهم وتعاملت مع سخافاتهم وتطاولهم عليها بمنتهى الهدوء والحسم.. استفذوها فلم تتعصب وعاكسوها فالتزمت الصمت، لكنها كانت تتسيد الموقف وتسيطر عليه وهو في قمة الفوضى، تارة تتهكم عليهم وأخرى تنظر إلى أحدهم الموضوعة يده في الجبس لتحذرهم قائلة «انت لسه إيدك مكسورة يا مرسى؟؟.. المرة الجاية هاكسر لك إيدك ورجلك ورقبتك مرة واحدة».
تؤدي «أبلة عفت» دورها التعليمي، موجهة سؤالا بمادة المنطق لبهجت الأباصيري ليجيبها بمنتهى الاستهتار بسؤال آخر، فتتمسك بهدوئها الذى ينم عن قوة شخصيتها وسيطرتها على زمام الأمور حتى وإن تركتهم يتعاملون بحرية لتفهمها طبيعة الظروف التى يمر بها شباب هذا الجيل بعد نكسة 67 وخيبة الأمل التي عاشوها، فكانت مسار تحول في حياتهم بالأمل التي بعثته فى نفوسهم بعد كثير من المهاترات، لا سيما بعد أن فشل المدير في التعامل معهم، فاستقدم لهم تلك المعلمة.
هذه هي الصورة التي ظهرت بها الفنانة سهير البابلي التي جسدت دور "أبلة عفت" منذ 43 عاما مضت على مسرحية مدرسة المشاغبين التي أنتجت عقب نصر أكتوبر المجيد عام 1973، واليوم تودع "عفت" تلميذها الرابع "لطفى" صاحب الجوابات الغرامية، هادي الجيار الذى رحل عن عالمنا صباح اليوم عن عمر ناهز 71 عاما، متأثرًا بإصابته بفيروس كورونا، حيث تدهورت حالته الصحية بسبب خضوعه لعملية قلب مفتوح خلال الأشهر الماضية.
3 من نجوم مسرحية مدرسة المشاغبين يسبقون هادي الجيار إلى دار الحق
وقبل وفاة الفنان هادى الجيار صباح اليوم، سبقه إلى دار الحق ثلاثة من زملائه الذين عملوا معه في مسرحية مدرسة المشاغبين، وهم: سعيد صالح الذى جسد دور مرسى الزناتي وأصيب في آخر حياته بمرض "ألزهايمر"، وتعرض لأزمة قلبية أودت بحياته في أغسطس 2014، بعد أن قدم أكثر من 200 عمل فني متنوع ما بين دراما ومسرحيات وأفلام، والفنان يونس شلبي الذى جسد دور منصور عبد المعطي الذى توفى 2007 بعد صراع طويل مع المرض، والنجم الكبير أحمد زكى الذى توفى في الـ 27 من مارس 2005، متأثرًا بإصابته بسرطان الرئة.
كما لحق بهم الفنان حسن مصطفى الذى جسد دور "عبد المعطي" ناظر مدرسة المشاغبين عن عمر ناهز 81 عاما، في الـ19 من مايو 2015، فضلا عن وفاة نجو أخرين شاركوا في هذه المسرحية منهم الفنان الكبير عبد المنعم مدبولي والنجم محمود الجندي، وعبدالله فرغلي وسمير ولي الدين، ولم يتبقَ من نجوم هذه المسرحية التي أسعدت الجماهير العريضة منذ عرضها لأول مرة بالإسكندرية وحتى الآن سوى "الزعيم" عادل إمام والفنانة ليلى طاهر، التي لعبت دور «أبلة عفت» في العروض الأولى، والفنانة سهير البابلي التي اعتزلت التمثيل عام 1997 بعد ارتدائها الحجاب، رغم عودتها مرة أخرى في مسلسل "قلب حبيبة" عام 2005.
الجيار في حوار قديم: مسرحية درسة المشاغبين كانت تعبر عن حال الشباب بعد النكسة
ومن المعروف أن مسرحية مدرسة المشاغبين وجهت إليها انتقادات عدة كان أبرزها "إفساد التعليم"، وهذه الانتقاد لم يكن وليد اليوم، فقد ذكر الفنان هادى الجيار في حوار تليفزيوني له في وقت سابق بقناة المحور أنه كان مقيما مع عادل إمام وأحمد زكى في شقة بالإسكندرية استعدادا لعرض المسرحية وكان الجمهور يرسل إليهم جوابات نقد لاذعة بسبب إظهارهم العملية التعليمية بهذا الشكل، «الشقة كانت في الدول الأول والناس كانت بتحدف لنا جوابات في البلكونة كلها شتيمة».
وأوضح "الجيار" أن مسرحية مدرسة المشاغبين كانت متأثرة بالواقع الذى عاشه الشباب في السبعينيات بعد هزيمة 1967، "الكبار مش قادرين يسمعوا الشباب ولا يشوفوا أحلامهم ولا هما شايفين المستقبل إزاي"، لافتاً إلى أن الكثير في هذه الفترة كان يسافر إلى فرنسا في الصيف للعمل بغيطان العنب، أو لبنان لشراء ملابس وبيعها في مصر بشارع الشواربي "كنا بنقدم نماذج موجودة بالفعل.. المسرحية متأثرة بالواقع مش هي اللي أثرت فيه".
وأضاف أن طلاب مدرسة المشاغبين كانوا يواجهون إحباطا شديدا لأنهم لم يتمكنوا من تحقيق أحلامهم بسبب الأوضاع السيئة التي كانت تسيطر على هذه الفترة، "أنا كان حلمي أدخل معهد الكونسيرفتوار وأدرس الموسيقى ومحدش قدر يتجاوب معاي" كما أن أحمد كان يريد أن يصبح شاعراً، وبهجت الأباصيري قبطان بحرى لكنه مضطر أن يلتحق بكلية التجارة حتى يدير صيدليات والده ففضلوا الرسوب في الثانوية العامة سنوات طويلة ليظلوا معاً في مدرسة المشاغبين، بدلاً من مواجهة الواقع المرير.
أدركت "أبلة عفت" بفطنتها المعاناة والضغوط التي يواجها هؤلاء الشباب فتفهمت أحلامهم وسمعت لهم ورسمت لهم طريق للمستقبل بقولها في المسرحية "إن شاء الله هتتعلموا وتتخرجوا وكل واحد فيكم هيمسك حتة كبيرة أووى في بلده"، فأحبوها بعد شوط طويل من الاستهتار واللامبالاة التي عاشوها، فعندما جاء قرار نقلها إلى مدرسة أخرى حزنوا حزناً شديداً "ودعوها وهما بيبكوا".
وبعيداً عن مسرحية مدرسة المشاغبين قدم هادى الجيار المولود 15 أكتوبر 1949، العديد من الأدوار البارزة في الدراما المصرية، وشارك في عدد من المسلسلات، بينها "شديد الخطورة، عوالم خفية، حق ميت، سوق الخضار، الجبل، سلسال الدم، مملكة الجبل، العصيان، أدهم الشرقاوي، المال والبنون، الضوء الشارد، وسوق العصر"، فضلا عن الأفلام ومنها "من أطلق هذه الرصاصة، درب الجدعان، رحلة المشاغبين، احترس عصابة النساء، لمن تشرق الشمس، بائعة الحب، شلة المشاغبين، عندما تشرق الأحزان، وعذراء ولكن".
تعليقات الفيسبوك