في وقت التزم فيه الجميع منازلهم وارتفع ضجيج الاستغاثات الإلكترونية المتكررة لمساعدة مصابي كورونا في العزل المنزلي، كانت محافظة الشرقية وتحديدا حي مبارك بالزقازيق، يسطر فصلًا جديدًا من أشكال الوحدة الوطنية ومشاعر المحبة التي تربط أبناء مصر، حين اشتدت أعراض «كورونا» على المهندس القبطي ناجي لبيب وهو في عزله وحيدًا، ولم يتردد جيرانه في طلب المساعدة من «الشيخ محمد» الذي عُرف بين أهالي المحافظة بحبه لفعل الخير وتقديم الدعم في ظل الوباء الذي طرق أبواب الجميع بغتة دون سابق إنذار.
الشيخ محمد قطع مسافة 2 كيلو إلى منزل المهندس القبطي ومعه طبيب
في نهاية سبتمبر الماضي، ارتفعت حرارة المهندس البالغ من العمر 68 عاما وفقد حاستي الشم والتذوق، «مكنتش متخيل إنها كورونا لما السخونية بدأت تزيد أوي وفقدت حاسة الشم بدأت أقلق»، يقول في بداية حديثه لـ«الوطن» إنه لا يدري من أين جاءته العدوى ربما من أحد الأشخاص الذين خالطهم خلال توزيع الوجبات المجانية على المستشفيات ودور الرعاية ودور المسنين ضمن أنشطة مبادرته الخيرية المشهورة في الشرقية باسم «فريق المحبة.. كلنا إنسان».
اتصالات هاتفية عدة أجراها المهندس القبطي لعدد من معارفه لطلب المساعدة بعد أن انتصرت حرارة جسده المرتفعة عليه، دون استجابة سريعة، حتى دله أحد متطوعي حملته على «الشيخ محمد العوضي» مسؤول العيادة الطبية بأحد مساجد قرية هرية رزنة، إحدى القرى التابعة لمركز الزقازيق، والمعروف بعمل الخير هناك، «مكنتش أعرفه قبل كده ومتأخرش عليا وفي ربع ساعة وصل للعنوان بتاعي ومعاه دكتور يكشف عليا»، يستكمل المهندس القبطي روايته للواقعة التي كانت سببًا في علاقة أبوة وصداقة جمعتهما ببعضهما بعد ذلك.
ممرضة منتقبة تشرف على المهندس القبطي منذ الثامنة صباحا حتى الثامنة مساءً
«بيني وبينه مسافة نحو 2 كيلو متر، وفي خلال ربع ساعة جبت دكتور معايا وكشف عليه وشخص حالته كورونا والحالة كانت متأخرة»، يروي الشيخ محمد العوضي باقي تفاصيل الواقعة في بداية حديثه لـ«الوطن» حيث أخبره الطبيب المعالج حاجة المهندس القبطي للأكسجين الطبي على الفور لتأخر حالته، وما كان منه إلا أن أحضر أنبوبة أكسجين ومعه ممرضة على الفور لمتابعة الحالة.
ممرضة منتقبة تشرف على المهندس القبطي منذ الثامنة صباحا حتى الثامنة مساءً لظروف معيشته بمفرده بسبب سفر أبنائه للخارج، تقودها الصدفة لرؤية وشم الصليب على معصم اليد اليمنى له، فتكتشف ديناته المسيحية، فتصيبها دهشة حول العلاقة التي تربطه بالشيخ «محمد» سرعان ما تتلاشى بقوله المعهود «الدين لله وكلنا واحد».
الاستغاثة تحولت لعلاقة أبوة وصداقة ومساعدة في فعل الخير
علاقة أبوة وصداقة نشأت من رحم المعاناة، تلاشت حدة أعراض الفيروس يوما بعد يوم من جسد المهندس القبطي، ولم يمض يوم دون سؤال وزيارة الشيخ المسلم لبيته، «كان بيكلم ابني وبنتي برا مصر يطمنهم عليا كل يوم، وأول ما قدرت أتكلم عرفتهم عليه وبقى زي ابني مينا»، بحسب تعبير المهندس ناجي.
تعافى المهندس الستيني من فيروس كورونا واستكمل مهمته مع متطوعي مبادرته الخيرية وانضم إليهم عضوًا جديدًا يساندهم في الموجة الثانية من الوباء بكل ما أوتي من قوة، «الشيخ محمد بقى بيتعاون معانا وبيساعدنا لو احتاجنا مساعدة لدعم مرضى كورونا».
ستيني قبطي شاب شعر رأسه، وشاب ذو لحية شديدة السواد باتا رمزا للوحدة في ظروف الوباء يراهم أهل المدينة دومًا متعاونين على فعل الخير،«بنقدم مساعدات للجميع مش مهم مين مسلم ومين مسيحي».
تعليقات الفيسبوك