أزمات كثيرة ومعارك فكرية كبيرة، سببّها مسلسل «العائلة» الذي كتبه الراحل وحيد حامد للتليفزيون المصري، وأنتجه قطاع الإنتاج ليعرض في رمضان عام 1994، ولعب بطولته محمود مرسي وليلى علوي وأخرجه اسماعيل عبدالحافظ.
ورغم أن أعمال وحيد حامد كانت دائماً ما تثير الجدل سواء كانت اجتماعية أو سياسية، فإن الأزمات التي فجرها ذلك المسلسل تحديداً جاءت بسبب مناقشته لقضية الإرهاب، الذي روع مصر من شمالها لجنوبها منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى نهاية التسعينيات.
لكن أكثر تلك الأزمات ضجة لم يثرها أصحاب الآراء المتطرفة والذين هاجموا المسلسل بشدة وقتها، وإنما أثارها علماء الأزهر الشريف، حين اعترضوا على مشهد في المسلسل ينكر فيه بطله محمود مرسي موضوع عذاب القبر، ويشكك في حديث شريف جاء على لسان أحد دعاة التطرف في المسلسل، والذي لعب دوره «توفيق عبدالحميد».
في المشهد الأزمة ظهر الشيخ المتطرف في أحد المساجد ليلقي درساً دينياً يتعلق بعذاب القبر، مستشهداً بحديث شريف قال فيه إن سيدة دخل على رسول الله فسمعته يقول: «وتعوذوا بالله من عذاب القبر»، قالت: «يا رسول الله، أو للقبر عذاب؟»، قال لها: «إنهم ليعذبون في قبورهم عذاباً تسمعه البهائم».
راح بطل المسلسل الذي كان يمثل الجانب المستنير يشكك في الحديث الشريف، قبل أن يدخل في جدل مع الداعية المتطرف الذي أصر على صحة الحديث، لينهي مرسي كلامه بقوله: «تاخد الوزر»، ثم شرح لصديقه وجهة نظره بأن الدعوة للدين يجب أن تكون عن طريق الحب، وليس الترهيب، بالإضافة إلى أن الداعية عجز عن تدعيم حديثه بسند من القرآن والسنة الصحيحة.
بمجرد عرض الحلقة رقم 22، والتي ضمت المشهد انتفض علماء الأزهر الشريف، وعلى رأسهم الشيخ «جاد الحق علي جاد الحق»، شيخ الجامع الأزهر وقتها، وراحوا يهاجمون المسلسل وكاتبه، متهمينه بـ«إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة».
ولم يكن أمام وحيد حامد والتليفزيون المصري إلا أن يسترضوا علماء الأزهر وشيخهم، فسارعوا بتضمين مشهد آخر، تم تصويره على عجل، ليدرج في الحلقة رقم 28 والأخيرة من المسلسل، مستعينين فيه بالممثل الكبير حمدي غيث، والذي جاء خصيصاً ليؤدي ذلك المشهد دون أن يكون له أي دور في المسلسل من بدايته.
ظهر «غيث» مرتدياً زي مشايخ الأزهر، جالساً في أحد المساجد ليلقي درساً دينياً، وبين يديه جلس محمود مرسي ليستمع إليه قبل أن يسأله: «حضرت ندوة من الندوات الدينية التي تتحول إلى كاسيت، وكان الداعية يتحدث عن عذاب القبر وأسلوب فيه كثير من الترويع، فلما ناقشته إذا به يغضب»، ثم يأتي السؤال عن عذاب القبر فيجيب الشيخ: «نعم هو ثابت بالقرآن والسنة والإجماع».
يواصل الشيخ حديثه عارضاً رأي مشايخ الأزهر الذي سبق وأن أعلنوه في الصحف ووسائل الإعلام: «الموعظة الحسنة تشمل على الترغيب والترهيب معاً ومن يريد للإسلام الخير عليه أن يرغب الناس فيه، وأن يشرح لهم مبادئ الإسلام التي تدعو إلى الخير والسماحة ومكارم الأخلاق والعمل الصالح هؤلاء لهم ثواب من الله، يجدونه في القبر كما يجدونه يوم القيامة، وذكر العذاب في القبر وعذاب النار فهؤلاء لا يفهمون الأسلوب الصحيح للدعوة».
وكأن وحيد حامد كان يدافع عن نفسه في مواجهة حملة مشايخ الأزهر عليه عندما ساق على لسان بطله في نفس المشهد عبارات تبرر موقفه، فيقول محمود مرسي: «يعني اللي بيسأل في شؤون الدين ما بيرتكبش أي خطيئة»، وبعد أن يشرح له الشيخ موضوع عذاب القبر يختم حديثه بقوله: «يعني ما خرجناش على الدين ولا حاجة».
تعليقات الفيسبوك