غرفة صغيرة تقع في حي المطرية، تخلو من مظاهر الحياة، جدرانها بالية وبابها ذا لون كالح، تشير إلى حياة صعبة يتقاسمها شابان في العشرينات من العمر، عنفوان شبابهما لم يتبق منه إلا القليل، اختلفا في الاسم والنسب والدم، واجتمعا على المعاناة والمرض، يترقبان الباب والنافذة كل ساعة في انتظار أحد الجيران من أهل الخير يطل عليهما بطعام أو شراب أو حتى بضع جنيهات تملأ جيوبهم الخاوية، لم يعد في استطاعتهم إلا الاستغاثة، «ملناش حد ومحتاجين علاج ونومة نضيفة وأكل»، يقول عبده محسن، في بداية حديثه لـ«الوطن».
جاءت رياح شهر ديسمبر عام 2015، بما لا تشتهي سفن الشاب العشريني، صافرة إنذار دخول القطار إلى محطة شبرا الخيمة علت في وضح النهار، إلا أن كلمة القدر كانت أعلى من صوتها، باغتته عجلاته الحادة فجأة، في لحظة توقفت عندها عقارب الساعة وسقط مغشيًا عليه، لم يعِ «عبده» ما يحدث حوله، حينها، صراخ نساء وأطفال وهرولة رجال يحاولون إنقاذ جسده الذي كاد أن يتآكل كله على القضبان، «حصلي بتر في القدم الشمال لفوق الركبة، وبتر في صوابع رجلي اليمين، وكسر في العمود الفقري»، فتحول مشوار عمله في أحد مطاعم الأسماك بمنطقة بشتيل، إلى كابوسا لا تزال تفاصيله تلاحقه في أحلامه.
ترك إخوته وعاش في دار إيواء بحثا عن الرعاية الصحية
بعد فترة علاج تلقاها بمستشفى إمبابة العام، عاد «عبده» إلى مسقط رأسه الأصلي بمحافظة الشرقية، ليجد إخوته الأربعة منشغلون في أمور حياتهم، كلٌ يسعى في وجهته بعد وفاة الأب وزواج الأم، حتى فرقته الحياة عنهم مجبرا على تركهم في سبيل البحث عن من يرعاه، «كل واحد كان مشغول في دراسته وشغله، ومكنش حد فاضي يراعيني، اضطريت أدور على مكان رعاية وجيت دار إيواء في المطرية قعدت فيها سنة».
عبده وأحمد استأجرا غرفة بالمطرية ويعيشان على مساعدات أهل الخير
شاء القدر أن يجمع «عبده» بـ«أحمد محمود»، تشابهت ظروفهم سويا، أفصح كل منهما للآخر عن ملامح حياة صعبة ألقت بهم في هذه الدار، إذ تعرض الأخير إلى حادث سير في عام 2013، أثناء عودته من عمله في أحد أفران الخبز البلدي أصابته بشلل نصفي، «هو كمان عامل حادثة وعنده كسر في العمود الفقري»، ومرت الأيام والأشهر معًا بين جدران دار أحد دور الإيواء بالمطرية، تلقيا معاملة جيدة في بداية الأمر حتى جاءت أزمة فيروس كورونا، وانقطعت عنهم رجل الزائرين من أهل الخير، «الناس كانت بتيجي تسيب لينا فلوس بنصرف بيها شوية، ولما مبقاش حد يجي المعاملة والظروف بقت صعبة، وخرجنا أجرنا أوضة في المطرية عايشين فيها على مساعدات أهل الخير»، بحسب قول عبده.
على فراش غير نظيف وغطاء لا يحميهم من برد الشتاء يقبع الشابان في الغرفة الصغيرة، عالمهم انحصر بين جدرانها الأربعة، تطل عليهم سيدة بأطباق طعام من حين لآخر، تراودهما نوبات اليأس قليًلا فيطرداها بالحمد على كل حال، لم يحلما سوى بمعاش ثابت وعلاج وطرف صناعي وكرسي متحرك تخفف عنهما عبء السير والحركة، «كل واحد فينا محتاج علاج ومعاش عشان نعرف نعيش».
تعليقات الفيسبوك