الليل فرد جناحيه على إحدى مناطق المعادي الفاخرة، سكانها من فئة الأثرياء احتموا من الرياح والأمطار بسرائرهم الناعمة وبيوتهم الحصينة، وكلما اشتد الظلام وأكحل الليل في سواده، زادت شدة البرد القارس، ما يدفع القطط الصغيرة للتسلح بإطارات السيارات لتحميها من البرد، قبل أن تلمح إحدى القطط غطاء من القماش، فتجري لتحتمي به، تأخذ مكانا تحته بجوار شاب نائم، لاذ بذلك الغطاء ليقيه شدة السقيع، حيث ينام في الشارع على سلم أحد المساجد.
أيام طويلة يقضيها الشاب شريف صلاح صاحب الـ21 عاما، على أرصفة شوارع المعادي، دون مأوى كسائر الشباب في عمره، يفترش الأرض بنصف غطاء، والنصف الآخر يغطي به جسده، ليخلد إلى النوم في إجازة قصيرة من تعبه النفسي وحزنه على حاله.
شريف صلاح محمد عالي، أو شريف محمد علي.. لا عجب من كون الاسمين السابقين صحيحين، ويعودان للشاب "شريف" الذي ولد في الحياة دون أب أو أم، وسط ظروف قاسية أجبرته على العمل في أحد محال البلاي ستيشن، من أجل العمل والنوم به.
مع دخول أزمة كورونا أغلق أصحاب محال البلاستيشن أبوابها، ما جعل "شريف" يلجأ إلى دار "أبناء المعادي" التي تربى فيها، قبل أن يُفاجأ برفض مديرها البيات هناك، مع المماطلة في تسليمه أوراقه، التي تمكنه من إيجاد فرصة عمل مناسبة، يتحمل بها مصاريف أكله وشربه.
17 يناير عام 1998، يوم مولد "شريف" تعالت صرخاته للمرة الأولى في الحياة، هكذا بدأ حياته وهكذا استمرت، صراخ وبكاء وشقاء، أمل غائب ونسب مشوه، دون أم تحنو على كتفه وتطعمه من صنعة يدها، أو أب يستند عليه، ويرشده للصواب من الخطأ، إلا من أخت وحيدة بمثابة عكاز لحياته وفقا لحديثه لـ"الوطن".
"شريف" لجأ إلى "الوطن" بعدما تفرقت به الطرق، ويأمل في إيجاد مأوى له، 4 حوائط تحميه شر البرد الذي سار في عظامه كمياه الشلالات، ووظيفة تعينه على توفير احتياجاته المادية، "أنا بقيت مقيم في الشارع مش عارف أستحمى ولا أعيش، وولاد الحلال بيعطفوا عليا ويجوني فلوس، نفسي حد يكلم الدار يعملوا لي الورق".
تعليقات الفيسبوك