أخذته الغربة أعواما، حتى تناسى أنه لابد أن يتزوج، مر العمر، وانفرط العقد، حتى جاءت أحداث العراق، فأطاحت بكل أحلامه، من أموال أراد أن يجمعها حتى يعود إلى قريته ويتزوج، لينجب أطفالا تمناهم كثيرا.
مع الغزو الأمريكي للعراق، تبددت تلك الأحلام الوردية، التي سافر من أجلها محمد بدير، أحد أبناء محافظة كفرالشيخ، وتحولت أحلامه إلى كابوس، يتمنى الرجل الخمسيني أن يستيقظ منه.
لا زال حتى اليوم، يتذكر ما حدث حينها، وهو يعمل في إحدى شركات الشحن في العراق، يستيقظ على أصوات الصراخ والرصاص، التي لا زالت تطارده بعد مرور أكثر من 17 عاما على الغزو الأمريكي للعراق.
قصة "بدير" فصولها بدأت في أوائل الثمانينيات، عندما قرر أن يسافر إلى العراق ويترك مهنة الحلاقة التي عمل بها لسنوات طال أمدها، مثل أبناء جيله، كانت دولة العراق هي المكان الآمن لهم، لما كان فيها من حسن معاملة للمصريين، إلى جانب توافر فرص عمل كثيرة حينها، جذبت المصريين وغيرهم.
كافح الخمسيني طيلة 8 سنوات في العراق، عمل في جميع المهن التي يمكن من خلالها كسب الأموال: "اشتغلت شيال طوب ورمل وزلط، وكنت بكافح بجهد وإخلاص، علشان أعرف أحوش، كنت عايش مع 7 في أوضة، وبعد كل سنين الغربة والبهدلة دي معرفتش أنزل بفلوس".
ويضيف: "خرجت منها بهدومي وبس، قلت لنفسي مش هينفع أرجع البلد بالشكل ده، وطلعت على الأردن".
ذهب"بدير" إلى الأردن هربا من بطش الأمريكان، وهناك قرر أن يعمل أيضا في الصناعات الخرسانية "شيال"، وظل على تلك الحالة، حتى ضعف نظره، ولم يعد يقوى على حمل تلك الأشياء الثقيلة: "قبل ما أخرج من العراق، أدوني أجازة 3 شهور، وقالولي خد حوالات صفرا بفلوسك، أخدت 5 حوالات، وروحت على الأردن، قلت لحد ما الأمور تهدى، هبقى أرجع مصر أصرفها".
عاد الخمسيني إلى مصر، ولم يجني من غربته تلك غير الأمراض التي أصابت جسده، وهنا بدأ يبحث عن مكان يمكن من خلاله صرف تلك الحوالات: "روحت كل بنوك مصر، وكل بنك يقولي لسه مجتش، لحد دلوقتي بجري عليهم، مش عارف أطول منهم حاجه، وظروفي صعبة ومعنديش بيت، وقاعد في أوضتين عند أخويا".
لا يعلم "بدير"، القيمة الفعلية لتلك الحوالات، غير أنها بالدولار: "تطلع زي ما تطلع بس أخدها، الظروف صعبة ومش لاقي حاجة أعيش بيها، وعايز أضمن مستقبل إبني وأطمن عليه، ومعنديش غيره، وخايف عليه من الزمن، محتاج بس حد يساعدني، ويقولي مصير الفلوس دي إيه"
يعمل "بدير" الآن، في محل حلاقة خاص به، لكن دون إمكانات تذكر بالمقارنة بالأماكن المجاورة له: "الناس بتيجي تحلق عندي شفقة، مفيش إمكانات، ولا عندي أي حاجه غير المقص والمشط، بتمنى صوتي يوصل للمسئولين، عايز حق غربتي وتعبي".
تعليقات الفيسبوك