ضريح ابن سيرين في الخليفة - تصوير : سعيد حمدي
شارع طويل ممتد يبدأ بمسجد السيدة نفيسة، في حي الخليفة، حيث أناس بسطاء يجلسون على فراش متهالك مصنوع من الخيش، وأمامهم مائدة خشبية صغيرة موضوع عليها الفول النابت والبرتقال، يأكلون بنهم، غير مكترثين بنظرات المارة لهم لجلوسهم في الشارع بالجانب الأيمن عند الدخول من ناحية المسجد.
سؤال من أحد المارة.. ورد عنيف
"مين الناس دي؟ وليه بياكلوا بشكل همجي كده؟"، قالها أحد المارة، ليرد عليه خادم أحد الأضرحة المنتشرة بامتداد الشارع قائلا بعنف: "الناس دي حبايب ستنا نفيسة العلوم، وميصحش تقول عنهم كده، وياله أمشي من هنا".
رامي محمد، 46 سنة، موظف، عبر عن غضبه الشديد لما قاله خادم الضريح له: "مش فاهم هو متعصب عليا ليه، من الطبيعي إني أسأل، وخصوصا إني جاي أعمل خير وأساعد باللي أقدر عليه، ده غير إن عمل الخير مفروض يكون في السر، ده لو افترضنا إن دول بيعملوا خير بدون مقابل، إنما دول بيأكلوا الناس في الشارع، ودي حاجة مش مستحبة، الناس بصراحه صعبوا عليا قلت أسأل، علشان لو مش لاقيين فلوس يجيبوا كراسي، أجيب لهم أنا وأنول رضا الأولياء، بس يمكن بقى دي سبوبه للخادم وغيره بيستفادوا منها علشان كده زعل من سؤالي، ومسبنيش أكمل كلامي".

رامي: جيت من المنوفية لكي أتبارك بأولياء الله
يوضح رامي محمد، سبب قدومه إلى شارع الأشراف، بأنه يريد أن يعرف المزيد عن جميع الأضرحة الموجودة بالشارع، حتى يتمكن من المساعدة في ترميم أحدها إن اقتضت الحاجة لذلك: "قاطع مسافة كبيرة من المنوفية لحد هنا، علشان أتبارك بأولياء الله الصالحين، وأنول الأجر والثواب وأوفي بالندر".
ويوضح الأربعيني سبب عدم رغبته في دفع مبالغ مالية لأحد من خادمي الأضرحة نظرا لما كان يسمعه عن تصرفات غريبة تحدث في الساحة: "سمعت كتير قبل كده إن فيه ناس بتيجي من الأرياف وبيدفعوا فلوس لخادمي الأضرحة، وللأسف الفلوس دي بتروح في أماكن تانيه غير تطوير الضريح، أو بيتصرف جزء منها على الأكل والباقي بيروح في بطونهم، ده بزنس لا أزيد ولا أقل، خصوصا إن أغلب الأضرحة مفهاش جثامين من الأساس، وبرضه خادمي المقامات دي مصرين على طلب المعونة من مريدي آهل البيت، وتابعي الصالحين".

مسن يعنف الخادم أمام الضريح
أمام ضريح لا يتجاوز ستة أمتار، وأعلاه عمارة من ثلاثة طوابق، في الجانب الأيمن عند الدخول من ناحية مسجد السيدة نفيسة، وقف رجل مسن، يرتدي عمامة وعباءة بيضاء، يتمتم ببعض العبارات غير الواضحة، ليدخل بعدها الضريح ويغلق بابه عليه، ويمكث به أكثر من نصف ساعة، ليخرج بعدها ويسأل خادم الضريح: "مين صاحب الضريح ده وله كرمات ولا ملوش"، ليرد الخادم قائلا: "ده مقام مفسر الأحلام بن سيرين، وده له كرامات كتيره إنت إزاي مش عارفه، ده يبقى ابن شاعر الرسول، وكمان معاه البلاسي وده من أهل التصريف".
وفجأة ينهره المسن، قائلا: "إنت إزاي سايب الضريح فيه تراب، خرج بسرعة السجاد ده ونضف الضريح، كرامات الشيخ هتروح كده حرام عليك، وولع عود بخور خلي الريحة تفوح".
خادم الضريح: أعيش فوقه.. وهناك كتب تدل على وجوده
خالد زهران، 39 سنة، خادم الضريح، لم يجد له عملا سوى خدمة هذا الضريح والذي يضم بحسب كلامه اثنين من الأولياء وهما "ابن سيرين والبلاسي".
يحكي "زهران": "أنا ساكن فوق الضريح، في الدور التاني، إتولدت لاقيت الضريح ده زي ما هو كده، بس سمعت إن عمره مايزدش عن 100 سنة، أصحاب الأرض، كانوا بيبنوا العمارة، لقوا كتب تدل إن ده ضريح بن سيرين، والبلاسي، فقاموا عملوا له مقام، وفضل مهجور فترة محدش بيزوره، لحد ما أهالي المنطقة ساعدونا إننا نرممه ونفتحه تاني بالجهود الذاتية".
ويؤكد زهران أن صاحب الضريح يقصد بذلك بن سيرين، من أحد المقربين إلى نبي الله محمد، حيث أنه ابن شاعر الرسول، بحسب قوله، وجاء إلى مصر في فترة زواج النبي، من ماريا القبطية، ونسب لوالدته واشتهر بتفسيره للرؤى والأحلام، وطلب دفنه داخل الضريح عند وفاته.
الضريح به جثمان أم لا؟ "مش مهم"
ويشير خادم الضريح إلى أنه لم تجر أية محاولات للكشف عما إذا كان الضريح فارغا أم لا: "سواء الضريح مفهوش جثمان أو فيه، مش هتفرق يعني، الناس بتيجي تزوره من كل مكان، ومحدش بيسأل إن كان مدفون هنا ولا لأ، مفيش حد قبل كده جرب ينبش القبر، علشان يتأكد، وفيه ناس بتيجي تزوره من العراق، يبقى أكيد مدفون هنا بقى".

ويوضح خالد زهران أن هناك بعض الآداب التي لا بد من إتباعها عند دخول الضريح: "مش أي حد بيدخل الضريح، لازم طبعا يكون طاهر، وأول مايدخل يقرأ الفاتحة، ويفضل قراءة سورة الكهف، ولو حابب يسيب فلوس أهي بتنفع لما بنرمم المقام، بنشتري له سجاد جديد، أو ندهن السقف، لكن مش بطلب من حد فلوس، اللي عارفين الشيخ، بيجوا من نفسهم ويسيبوا فلوس، واللي مش عايز يدفع براحته طبعا مقدرش أغصب حد إنه يدفع فلوس".
"ابن سيرين" عاش ومات بالعراق.. ليس في مصر
لم يكن يعلم أبوبكر محمد بن سيرين البصري، والشهير بمفسر الأحلام بأن المصريين، سيخلدون ذكراه، ببناء صغير يضم رفاته بحسب خادم الضريح، الذي لا يعرف عن صاحب المقام سوى أنه كان يشتهر بتفسير الأحلام، ولا يوجد دليل واحد يشير إلى وجود جثمان بن سيرين داخل الضريح، حيث أنه عاش في البصرة، ودفن بها عن عمر يناهز 77 عاما حيث توفي عام 110 هجريا، ودفن في مرقد الحسن البصري في البصرة، وهذا ما يخالف ما قاله الخادم بأنه جاء إلى مصر، بعد زواج الرسول من ماريا القبطية مع والدته ونسب إليها.

وحسب ما جاء في كتاب "سير لأعلام النبلاء" لشمس الدين الذهبي، فإن محمد بن سيرين، مات بعد الحسن البصري بمائة يوم سنة عشر ومئة بعد أن عٌمر حتى بلغ السابعة والسبعين عامًا، ودفن في البصرة ويقع ضريحه حاليا في مبنى مرقد الحسن البصري.
تعليقات الفيسبوك