لم تُدرك "أم الرزق" السيدة السبعينية التي تعيش داخل حجرة تحت الأرض بمحافظة البحيرة، أن حظها في الدنيا سيكون على عكس اسمها، فلم يعرف الرزق طريقها يومًا، وعاشت سنوات عمرها في فقر ومشقة وعناء، وعلى الرغم من تجاوزها السبعون عاما، إلا أنها مازالت تحلم بحياة أفضل، بعد أن أعطت الدنيا لها ظهرها، ودفعتها إلى المعيشة داخل حجرة صغيرة لا ترتقي للسكن الآدمي، ولا يرضي أحد أن يجعلها حتى حظيرة للمواشي، ولكنها قررت البقاء بها بعد أن عجزت عن توفير البديل.
زادت معاناتها بعدما أصيبت بمرض خشونة الركبة الذي أفقدها الحركة تمامًا، وجعلها طريحة الأرض التي تفتقد للفراش، ولم تحلم "أم الرزق" بقصر أو ثروة طائلة، ولكنها تبحث عن من ينتشلها من هذا المستنقع، لتعيش مثل باقي المواطنين.
"حجرة صغيرة متر ونصف × متر ونصف، لا يوجد بها سوى فرش على الأرض ووسادة صغيرة، وفي أحد أركانها قفص صغير به بضعة كتاكيت، ولا تسمع بداخلها سوى أصوات الطيور الصغيرة والسيارات المسرعة المارة بجوار الحجرة"، هنا تعيش أم الرزق محمد خميس، ٧٦ سنة، بمركز شبراخيت بالبحيرة، ويسكن معها ولدان و٣ بنات "حفيداتها" بعد أن توفيت والدتهن منذ أكثر من ٦ سنوات، ولم يجدن سوى حنان الجدة ليحتموا به رغم الفقر وضيق الحال والمكان، ومع كل شعاع للشمس يحلموا بتغير الحال، وانقشاع الضيق الفقر والانتقال إلى حياة تقيهم العناء والمشقة.
"10 سنوات كاملة قضيتهم وأبنائي داخل هذه الحجرة التي توجد تحت الأرض، بفعل عوامل التطوير والرصف التي تمت بالطريق، وتدخل علينا مياه الأمطار في فصل الشتاء من كل مكان، حتى إننا لا نقوى على صدها"، بهذه الكلمات بدأت "أم الرزق" كلامها مع "الوطن".
وتابعت: "بعد وفاة زوجي لم أجد من يعيلني وأبنائي، حيث فقدت المصدر الوحيد للقمة العيش، وبسبب قلة فرص العمل لم يجد أبنائي سوى العمل في مهنة الصيد، حتى يوفروا لنا الطعام اليومي، فمع طلوع فجر كل يوم، يذهب ابني الأكبر إلى الترعة ويصطاد لنا ما يرزقه الله به من أسماك، حتى أصبحت حجرتنا مأوى للقطط التي تأتي على رائحة السمك يوميا.
وأضافت: "هذا بخلاف عمل نجلي الأصغر في مهنة صيانة التليفزيونات التي عفى عنها الزمن بعد ظهور الشاشات الحديثة، ولم يتبقى له سوى زبائن قليلون من الطبقة المتوسطة الذين مازلوا يحتفظون بالتليفزيون العادي، وبأجر عمله نشتري بعض الخضروات التي تساعدنا على العيش، وتوفر لي الدواء بعدما أصبت بخشونة في الركبة أفقدتني الحركة، وحسب الأطباء فلا يوجد علاج لي سوى عملية تغيير مفصل، وهو أمر مستحيل في ظل حالة الفقر التي نعيشها، فقررت أن أمتثل لإرادة الله، وأنتظر أجلي داخل حجرتي".
لم تطلب "أم الرزق" شيئا سوى فرص عمل لنجليها، حتى لا يعيشوا الأيام الصعبة التي عاشتها أمهما، وتحلم بشقة صغيرة تقيهم البرد ومياه الأمطار، وتخرجهم من العيشة الغير آدمية، خاصة وأن حفيداتها أصبحن على وشك الزواج، والحجرة التي يعيشون بها لا يوجد بها سوى دورة مياه لها بابان، أحدهما داخل الحجرة والآخر على المصرف الملاصق للحجرة.
تعليقات الفيسبوك