"الخراب يصيب الأطفال والتجدد في داء الصغار، يهزمون ويقفون مجددا، يقفون كتف بكتف مع شباب وعواجز بلادهم"، هكذا تحدثت "ديما" اللبنانية، ذات الـ19 ربيعا عن حالها، بعدما اقتدى بها إخوتها الصغار ليشاركوا في أعمال مساعدة المتضريين من انفجار مرفأ بيروت الذي هز العالم أجمع في مطلع الشهر الجاري.
بأناملهم الصغيرة يجمعون بدقة آثار الانفجار الذي هدم المنطقة البسيطة المواجهة لمرفأ بيروت، رغم صعوبة وقفتهم داخل تلك المنازل المتهدمة لإزالة الحطام والأثاث المنتهي، بينما تعلو وجوههم ابتسامة كبيرة راضية لرغبتهم في مساعدة الأسر المتضررة بمدينة مرم خايل اللبنانية تطوعيا، بعد أن غرست بداخلهم حب التطوع شقيقتهم الكبرى ديما قاسم، الطالبة بالعام الدراسي الأول في كلية إدارة الأعمال بالجامعة اللبنانية.
بعد انفجار بيروت بساعات قليلة، طالبت عدة جمعيات خيرية الشباب بالتطوع، لتسارع ديما وشقيقتها ديانا، الطالبة بالمرحلة الثانوية، للمشاركة في مساعدة أهالي لبنان، رغم أن بُعد المسافة عن بيروت، حيث يقيمون في طرابلس التي تبعد عن مرم خايل أكثر من ساعتين بالسيارة، يقطعونها يوميا مرتين، في طريق الذهاب والعودة، حيث تقول ديما: "بس بعد ما صار الانفجار حطينا حالنا محلن وكتير حبينا نساعد".
ورغم أن كان "بعدو الدم موجود على الأرض وعلى الحيط"، وتخيلات "ديما" لحالة الأهالي وقت الحادث بـ"صرت أتخيل الشخص كيف عم يهدي بالحيط وكيف موجوع كان صعب هالشي شوي"، لكنها حاولت تجنب ذلك التفكير وعدم تأثير ذلك على حالتها النفسية واتخاذه سببا لتقديم الدعم للأسر المتضررة، انطلاقا من كونها عضوة بفريق الكشاف وحبها القوي للمشاركة والمساعدة.
لأكثر من 10 أيام، حرصت الشقيقتان على مساعدة الأهالي بإزالة الحطام والكسور التي تنتشر بالمنازل والعقارات، لتستغرقا حوالي 4 أيام بالعقار الواحد المكون من 4 طوابق، فضلا عن الحديث مع الأهالي عن إمكانية المساعدة النفسية وتوزيع المأكولات والمشروبات عليهم، كمرحلة أولى، استعدادا للثانية بعد جمع التبرعات، والتي تقتضي توفير احتياجات المتضررين بالمنازل.
مهمة ديما وديانا المميزة رغم صعوبتها وقضائهما أياما طويلة خارج المنزل في التطوع بحب، دفعت شقيقتهما الصغرى "رينة"، 12 عاما، لطلب الانضمام لهن، منذ حوالي 4 أيام، لتكون ضمن ذلك العمل "لنساعد أهلنا ببيروت، لنشيل الردم لي صار والخراب، ولنكون حدن ونخفف عنن قد مننقدر"، خاصة بعد أن لاحظت حماسة كيرة تزداد كل يوم لديهن، وحديث "ديما" أمامها بسعادة يوميا عن إنجازها وقصص الأهالي، رغم خوف شقيقتها الكبرى عليها "وانا قلاها يا رينة، بتتعبي هيدا الشغل للكبار، بالآخر نزلتا وجربت وانبسطت وصار بدا تجي كل يوم".
حماسة وبهجة المساعدة والعمل التطوعي، سرعان ما انتشرت بالأسرة اللبنانية المميزة، لتصل إلى أصغر أفرادها "محمد"، 9 أعوام، الذي لم يختلط بحطام الحياة حتى الآن، وإنما شهد حطام الانفجار الذي بعثر المنازل والأفراد، بعد أن مدته "رينة" بتلك الحماس والسعادة في العمل الإنساني ومساعدة الأهالي، ليشاركهن في تلك المسافة الطويلة منذ يومين، ويعود ركضا مشجعا أصدقائه الصغار لدعم بيروت منذ الصغر.
"ماما متحمسة أكتر منا، بس بابا عطول بيقلق".. بعد أن ترك الأطفال مضجعهم الآمن واللهو سويا من أجل العمل الإنساني، شجعهم والديهم، بهذا الشكل وفقا لحديث "ديما" لـ"الوطن"، مضيفة أن والدتها ستشارك معهم قريبا لدعمهم أيضا، ولإيمانهم جميعا بأنه "كتير مهم ياللي عم نعملو لأن في كتير ناس مجروحة من الانفجار منا قادرة تشيل شي حتى في ناس كبيرة بالعمر منن قادرين يحملو الكمية الموجودة من الدمار فنحن شباب منقدر عهيدا الشي وهني بلاقو قد الدني".
لمست الشابة اللبنانية انعكاسا إيجابيا كبيرا بعد مشاركة أشقائها الصغار بين الأهالي الذين أسعدهم تواجدهم ضمن فرق المساعدات، فضلا عن تأثيره أيضا المميز عليهم في الوقت نفسه، لذلك قررت الاستمرار في العديد من الأنشطة التطوعية لاحقا، متمنية أن يساعد ذلك في زيادة قوة العلاقات بين اللبنانيين لتجاوز تلك المحنة التي تمر بها البلاد والاصطفاف معا في المستقبل بقوة وتميز.
تعليقات الفيسبوك