على عمق 300 متر تحت سطح البحر، منتصف الليل في ظلام دامس، يمارس محمد عبدالسلام عمله، مرتدياً ملابس الغطس وخوذة رأس محكمة تمكنه من التواصل مع زملائه، عالم جديدة وكائنات غريبة من الأسماك والحيوانات البحرية تسبح حوله أثناء أداء مهام عمله التي تستغرق من 6 إلى 7 ساعات في الغطسة الواحدة دفعته إلى اكتشاف المزيد حول عالم البحار وأسراره رغم خطورته والمخاوف التي ينطوي عليه فضلاً عن مشاركته في البحث عن جثث الغرقى وإخراجها.
يخترق "عبد السلام" عالم البحار بطريقة الغطس التشعبي "سات" مستخدماً الأوكسجين والهليوم في التنفس "الهيلوكس" لتركيب مواسير خطوط البترول وربطها هيدروليكياً، وهو ما يتطلب منه المكوث 28 يوما في غرق الضغط لا يرى فيها الشمس لإتمام الجدول العلاجي حتى يتمكن من الغطس لمدة 8 ساعات متواصلة تُغير صوته "بيقى عامل زي صوت البطة" لا يلتزم بتناول طعام معين لكن يفضل عدم الأكل قبل الغطس.
عقب تخرجه في كلية السياحة والفنادق التحق "عبد السلام"، 35 عاماً، بالأكاديمية البحرية ثم سافر إلى إنجلترا لإتمام دراسته الغطس وأصبح معتمدا دوليا ويعمل في هذه المهنة منذ 15 عاما اكتسب من خلالها خبرة جنبته مخاطر عالم البحار فضلاً عن حبه للمهنة، "طول ما الواحد حابب شغله يقدر يحول المخاطر لمتعة وتميز".
كما أن عمله لا يقتصر فقط على تركيب مواسير البترول فقد شارك في انتشال جثث الغرقى في حادث ضحايا مركب الهجرة غير الشرعية التي غرقت في رشيد "بتيجي لنا تعليمات بجثث مراكب صيد وهجرة غير شرعية وبنطلعها بحكم الوقت الطويل اللي بنقدر نقضيه في البحر".
علاقة الشاب الثلاثيني بعالم البحار لا تتوقف عند حد تأدية مهام عمله فقط، حيث يواجه مواقف غريبة ومخيفة في تجاوزها بسلام ولا يخشى الموت أو محاذير البحر لكنه يلتزم بها قائلاً "الموت مش بيستأذن حد.. بحب مهنتي جداً وعشان كده بشتغل وأنا مبسوط".
ويروى لـ"الوطن" أنه من بين المواقف الصعبة التي واجهة، في إحدى المرات انقطع منفذ الهواء الذى يتنفس منه صديقه وكاد أن يغرق بعد تعرضه لتسمم أوكسجين على عمق 37 مترا، إلا أنه تصرف بذكاء وسيطر على خوفه وقام بفتح المرحلة الثالثة من الهواء وتمكن من إنقاذه وإخراجه من الماء.
عبد السلام: صديقي ترك المهنة من الرعب اللي شافه
وفي مهمة عمل أخرى فوجئ بصديقه يستعيذ بالله بصوت يملاؤه الخوف ويستغيث "طلعوني طلعوني" وعندما خرج من المياه أقسم لهم أنه "شاهد جنازة تتحرك في البحر وأشخاص دون ملامح يحملون نعشا"، موضحاً أن هذا الموقف تكرر مع صديقه فاضطر أن يترك تلك المهنة ويتابع مهمة أخرى في هذا المجال فوق سطح البحر.
رغم هذه المخاطر التي يتعرض لها "عبد السلام" إلا أنه يعيش متعة في عالم غريب يرى كائنات سامة متنوعة الأشكال والأحجام يتبع حركتها في حذر شديد ودلوفين يداعبه وحرصه على صيد سمكة لا تشبه أخرى اصطادها من قبل، لكنه لا ينفي ما يدور في خيال الناس عن عالم الجن والعفاريت المرتبط بالبحار، "الجن والعفاريت مذكورة في القرآن ولا أحد يستطيع إنكارها".
يرى أن الخلاء بشكل عام سواء كان بحار أو جبال مملوء جان "هو بيكره أن حد يكون في مكانه فلازم يزاوله" لافتاً إلى أنه يستعيذ بالله قبل الغطس ويحصن نفسه بالأذكار "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء وهو السميع العليم وأعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق".
ويعيش عبد السلام حياته بعيداً عن مهنة الغطس مع زوجته وأطفاله الثلاثة بالإسكندرية يفضل الطبيعة وتربية الحيوانات والطيور والصيد، "عندي كلاب عالمية منسبة وعصافير وبغبغانات"، ولا يفضل الأماكن المزدحمة مثل الكفيهات والسينما.
تعليقات الفيسبوك