نشرت دار الإفتاء المصرية تقريرًا لإمام المجددين الإمام محمد عبده مفتي الجمهورية الأسبق، حول طوفان نبي الله نوح عليه السلام، والحديث المثار حول هل الطوفان كان على الأرض كلها أم لمكان تواجد نبوة النبي نوح فقط.
وقال الإمام المجدد إن القرآن الكريم لم يرد فيه نص قاطع على عموم الطوفان، ولا على عموم رسالة نوح عليه السلام، وما ورد من الأحاديث -على فرض صحة سنده- فهو آحاد لا يوجب اليقين، والمطلوب في تقرير مثل هذه الحقائق هو اليقين لا الظن إذا عد اعتقادها من عقائد الدين.
أضاف: أما المؤرخ ومريد الاطلاع فله أن يحصل من الظن ما ترجحه عنده ثقته بالراوي أو المؤرخ أو صاحب الرأي، وما يذكره المؤرخون والمفسرون في هذه المسألة لا يخرج عن حد الثقة بالرواية أو عدم الثقة بها، ولا يتخذ دليلا قطعيا على معتقد ديني.
تابع: أما مسألة عموم الطوفان في نفسها فهي موضوع نزاع بين أهل الأديان وأهل النظر في طبقات الأرض، وموضوع خلاف بين مؤرخي الأمم: أما أهل الكتاب وعلماء الأمة الإسلامية: فعلى أن الطوفان كان عاما لكل الأرض، ووافقهم على ذلك كثير من أهل النظر، واحتجوا على رأيهم بوجود بعض الأصداف والأسماك المتحجرة في أعالي الجبال؛ لأن هذه الأشياء مما لا يتكون إلا في البحر، فظهورها في رؤوس الجبال دليل على أن الماء صعد إليها مرة من المرات، ولن يكون ذلك حتى يكون قد عم الأرض.
ويزعم غالب أهل النظر من المتأخرين أن الطوفان لم يكن عاما، ولهم على ذلك شواهد يطول شرحها، غير أنه لا يجوز لشخص مسلم أن ينكر قضية أن الطوفان كان عاما لمجرد حكايات عن أهل الصين أو لمجرد احتمال التأويل في آيات الكتاب العزيز، بل على كل من يعتقد بالدين أن لا ينفي شيئا مما يدل عليه ظاهر الآيات والأحاديث التي صح سندها وينصرف عنها إلى التأويل إلا بدليل عقلي يقطع بأن الظاهر غير مراد.
والوصول إلى ذلك في مثل هذه المسألة يحتاج إلى بحث طويل وعناء شديد وعلم غزير في طبقات الأرض وما تحتوي عليه، وذلك يتوقف على علوم شتى عقلية ونقلية، ومن هذى برأيه بدون علم يقيني فهو مجازف لا يسمع له قول ولا يسمح له ببث جهالاته.
تعليقات الفيسبوك