"مروة" وابنتاها "لارا ولي لي"
مهما مرت باختبارات وواجهت صعاباً، فهى تثبت دوماً أنها على قدر التحدى، هى المرأة المصرية، التى تربى الأبناء وتتابع دراستهم ورحلة نجاحهم، رغم غياب الرجل عن حياتها، ولا تنسى خلال رحلتها أن تقاوم العادات والتقاليد البالية التى تفرض عليها القيود، وتخلق لها الحاجز تلو الآخر كى تمنعها من التقدم فى حياتها، وأهم تلك العادات هى «ضل راجل ولا ضل حيطة».
وفى السطور التالية، حاولنا تقديم نماذج لسيدات لم يستسلمن لغياب الرجل، سواء كان أباً أو زوجاً أو ابناً أو أخاً، بل عملن و«عافرن» حتى وصلن إلى هدفهن. تعددت أدوارهن فى الحياة لكنهن سرن على الطريق الصحيح، قمن بدور الأم والأب والمرأة العاملة التى تعول أسرتها وتأخذها إلى بر الأمان.. وفى اليوم العالمى للمرأة الذى يوافق اليوم استعرضنا تجارب بعض هؤلاء السيدات.
"إيمان".. دفعت ثمن المأذون للانفصال: اشتريت بناتى
لم تستطع إيمان عبدالغفار، الاستمرار فى زواج لا يقدّم لها أبسط الحقوق الإنسانية، من احترام وعدم إيذاء نفسى وبدنى، فقرّرت الانفصال، وهى تعلم أن أهم تبعات هذا القرار هو تحمل مسئولية طفلتين، ومجتمع لا يرحم المرأة المطلقة.
«منذ كان عمرى 10 سنوات، تحمّلت مسئولية المنزل مع أمى، لكى أخفّف عنها الحمل قليلاً، رغم أننى كنت أصغر فرد فى العائلة، وعندما تقدم لى طليقى، ظننت أن العالم يقدّم لى تعويضاً عن تلك السنوات المرهقة فى حياتى، لكن ما حدث كان العكس تماماً، حيث تعرّضت للإهانة، وأحياناً الإساءة باليد، وكسرة النفس، فصمّمت على الطلاق، حتى إننى دفعت ثمن المأذون بنفسى، لأشترى راحتى النفسية، ولكى أضمن أن بناتى سينشأن فى بيئة سوية»، كلمات «إيمان»، التى تؤكد أن مرحلة الطلاق لم تكن سهلة، بسبب معارضة الأهل والأصدقاء.
بعد الانفصال لم تملك من الدنيا أى شىء سوى نفقة بسيطة لا تسمن ولا تغنى من جوع، فقرّرت الانطلاق لتحقيق شغفها، وهو تصميم الأزياء: «كنت خائفة جداً، لكننى قررت الاعتماد على نفسى، وابتعت ماكينة خياطة بالتقسيط، وبدأت فى تصميم الملابس، حتى أصبحت أمتلك (أتيليه) كبيراً، وله اسم معروف فى مجال الأزياء، وبعض المشاهير، وكثير من البرامج الإعلامية يستعينون بخبراتى فى تصميم الأزياء، وربنا جبر بخاطرى، وكل ما آمله من الحياة أن يعوضنى الله فى بناتى، وأن أسقيهن السعادة التى حُرمت منها».
"فوزية".. بتشتغل عشان تصرف على مرات أخوها: طول عمره شايلنى
لم تنظر فوزية أحمد لسنوات عمرها الـ75 سوى أنها رقم فى البطاقة، فهى ليس عليها أن توفر طعاماً لنفسها فقط، بل أيضاً لزوجة أخيها المريضة بـ«الغضروف»، وتبلغ من العمر 65 عاماً، فكان بيع الخبز والخضراوات هو الحل الذى اختارته عن طيب خاطر.
«الحياة بقت صعبة ومحدش بيشيل حد، والستات زى الرجالة لازم يشتغلوا إما علشان يساعدوا الرجالة اللى معاهم، أو علشان يصرفوا على نفسهم، وأنا ومرات أخويا عايشين مع بعض، وبعد وفاة أخويا وجواز عياله، مراته مبقلهاش غيرى، ولازم أشتغل علشان أقدر أوفر أكل وعلاج لينا إحنا الاتنين»، قالتها «فوزية» بينما تبدو فى صوتها نبرة قوة لامرأة مرت بالكثير من الصدمات والأزمات ولكنها استطاعت التغلب عليها بحكمتها وصبرها.
جاءت «فوزية» من أسوان، منذ أكثر من 13 عاماً، فى محاولة لصنع حياة جديدة لنفسها مع ابنتها، بعد زواج رأت أنه فشل بسبب زوج لا يعرف معنى المسئولية أو أهمية كونه قدوة لابنتها: «اتجوزت زى أى بنت فى البلد، كان بيشرب طول الوقت، ولا فاهم معنى جواز ولا غيره، استحملت منه إهانات ياما، لغاية ما بنتى خلصت دراسة الدبلوم، وسبته وجيت على القاهرة وقعدت عند أخويا ومراته، وكل هدفى إنى أوفر لبنتى حياة نضيفة، ومفيهاش مشى حرام».
بعد قدومها إلى القاهرة، صارت «فوزية» تعمل مع شقيقها وزوجته فى بيع الخضار والخبز على «فرشة» فى الشارع، وبعد زواج ابنتها من ابن أخيها، ثم وفاة أخيها، صارت تعيش مع زوجته: «دلوقتى أنا لوحدى اللى بشتغل، لأن ولاد أخويا الخمسة بيشتغلوا حاجات تانية، وأنا ومرات أخويا كبار فى السن، ولو فضلنا قاعدين منتظرين المساعدات هنموت من الجوع».
"مروة".. اتبهدلت بعد وفاة جوزها: هاربى بناتى أحسن تربية
عاشت مروة مجدى قصة حب مع زوجها، لكنها لم تستمر طويلاً لوفاة الزوج، تاركاً لها حملاً ثقيلاً؛ طفلتان لم يمر على وجود أصغرهما فى الحياة أكثر من أربعة شهور، وهى بلا عمل أو أى مورد مالى يعينها على مشاق الحياة.
«ظللت فترة لا أصدق وفاة زوجى، فلم يكن مر على زواجنا أكثر من 3 سنوات، كنا نضع الخطط للسفر وتربية الطفلتين، كما أنه لم يكن مجرد زوج بالنسبة لى بل كان حبيباً وصديقاً، لذا بعد الوفاة مباشرة أخذت عهداً على نفسى برعاية الطفلتين كما لو كان موجوداً»، كلمات «مروة»، الحاصلة على بكالوريوس تجارة.
بعد التغلب على صدمة الوفاة، بدأت رحلة البحث عن عمل، انطلقت فى دراسة اللغة الإنجليزية، حتى حصلت على وظيفة فى قسم الحسابات فى إحدى الشركات العقارية الخاصة: «كنت أذهب بهما لوالدة زوجى خلال فترة الدراسة، ثم بعد التنقل بين أكثر من وظيفة، حصلت على واحدة تمكننى من الموازنة بين عملى ورعايتهما، فبعد انتهاء دوام العمل أبدأ فى ممارسة وظيفة الأمومة والأبوة معاً، من مذاكرة وذهاب للتمارين والفسح الأسبوعية ومواعيد الأطباء، إلى جانب تنظيم ميزانية البيت، لدرجة أن البعض، سواء كانوا أقارب أو أصدقاء، يخبروننى دائماً بأننى مثل أعلى لهم، من القوة والشجاعة، مع أن الحقيقة كل ما يحركنى هو حب زوجى الذى يملأ قلبى».
أكثر ما يؤلم «مروة» ولا تستطيع التغلب عليه مع بنتيها «لارا» و«لى لى» هو سؤالهما عن والدهما: «كنت أدخل فى إحدى الغرف أبكى بمفردى لساعات دون أن تريانى، ثم أخرج أمامهما وأنا سعيدة ومبتسمة، وأقنعهما أن والدهما فى مكان أفضل».
"هدى".. شايلة البيت وجوزها عايش
تبتسم «هدى» عندما تتذكر قصة زواجها، فالغرابة كانت جزءًا من تفاصيلها، أما باقى الأجزاء فكلها خيبة أمل وخذلان من زوج تخلى عن مسئولية أسرته، فحملتها وحدها أكثر من 40 عاماً بدون طلاق بسبب المجتمع وضغط الأسرة، حتى نجحت بجرأتها وصبرها. «تزوجتُ مثل أى فتاة رجلاً من معارفنا، ولأن كلينا كان موظفاً حكومياً، فكان راتبنا قليلاً، زوجى عرض علىّ أن يسافر إلى بلد عربى منذ بداية الزواج، لعل وعسى يساعدنا راتبه على تحسين مستوى معيشتنا، فكان يسافر ويعود كل عام ولكن للأسف لم يكن يسأل خلال تلك الفترات، نهائياً أو ينفق على أو على أبنائه، حتى سافر مرة واختفى لمدة 6 أعوام كاملة، فكنت متحملة مسئولية طفلين الفرق بينهما عام، وعلىّ أن أغطى مصاريفهما بالكامل وحدى، مع أن راتبى كمحاسبة بالكاد يكفى احتياجات البيت» تقولها «هدى» 63 عاماً، بينما تؤكد أنها حاولت رفع قضية طلاق على زوجها، ولكنها تراجعت بسبب والدتها.
تبتسم «هدى» وكأنها تحاول أن تخفى مرارة محاولاتها إعطاء زوجها فرصة أخرى: «بعدها جاء وأقام معنا لمدة عامين، لكنه عاود السفر مرة أخرى، بلا سؤال ولو لمرة واحدة، رغم أنى أنجبت منه طفلى الثالث، وهكذا استمرت الحياة، حتى تخرج أبنائى فى الكليات وجهزتهم وزوّجتهم جميعاً، من مرتبى الضئيل، وكانت تمر علىّ أوقات، تسيطر علىّ نوبات من البكاء والدعوات أن يكفى المرتب آخر الشهر، أما أهم شىء بالنسبة لى فهو أننى رفعت قضية طلاق للضرر وكسبتها، وعلى لسانى كلمة شكر أنه جعلنى قادرة على تحمل المسئولية».
"هديل".. شغل 12 ساعة لتعويض غياب الأب
بعد طلاقها لم تستسلم هديل ناجى، اختارت أن تواجه العالم بقلب يخفى أوجاعاً ثقيلة، بحلة من القوة والجمال والابتسامة التى لا تفارق وجهها، كل أملها أن توفر لابنتها حياة كريمة تساعدها على تحقيق أحلامها، وملء روحها الصغيرة بحنان الأب الذى رفض أن يسأل عنها أو ينفق عليها.
«لم أكن أتوقع أن بى كل هذا القدر من القوة، إلا بعد الانفصال عن والد ابنتى، فخلال سنوات الزواج الثلاثة، كان يمتنع عن الإنفاق علينا، اخترت أن أحمى روحى وابنتى من الألم الذى ينخر فينا بقسوة، وكان الانفصال هو الطريق الوحيد، رغم أن المجتمع يعتبره كسرة للمرأة». كلمات «هديل»، 33 عاماً، خريجة كلية التربية النوعية جامعة عين شمس.
عملت «هديل» فى إحدى المدارس الدولية، لكنها لم تستمر فيها طويلاً، بسبب عامل الوقت الذى كان يمنعها من رؤية ابنتها أو توفير الرعاية لها، ثم انتقلت للعمل فى إحدى شركات السياحة الدولية: «فى البداية كنت أعمل أكثر من 12 ساعة، من أجل توفير المال للإنفاق على نفسى وعلى ابنتى، خصوصاً أن والدى متوفى وأمى تساعدنا، ولكن معاشها وحده لا يكفينا جميعاً، ثم انتقلت إلى إحدى شركات السياحة والسفر الدولية، واستطعت تحقيق النجاح والترقى، وحالياً أقوم بتحضير الماجستير فى كلية تربية فنية». تبتسم «هديل» وهى تتحدث عن ابنتها «حلا»، 7 سنوات، بينما يبدو فى عينيها بعض الشجن: «ابنتى ذكية، تدرك ما نمر به، وتشعر بالمجهود الذى أبذله، لدرجة أنها أحياناً تحتضننى وتطلب منى التخلى عن العمل لأرتاح وأبقى بجانبها»، لافتة إلى أنها تحاول تعويضها عن حنان الأب بالنزهات والهدايا والألعاب.
تعليقات الفيسبوك