في السبعينيات من القرن الماضي، عندما ظهرت موسيقى الراب، للمرة الأولى من قلب الأحياء الفقيرة والباحات الخلفية، لعدد من الولايات الأمريكية، معتمدة على كلمات مقفاة تحمل الكثير من المشاعر الغاضبة، وسطور موزونة على إيقاعات سريعة مليئة بالعنف والكراهية، تحكي بطولات رجال العصابات والمخدرات، لتتحول المعاناة إلى عمل فني يحمل طابعه الخاص.
لا يختلف المشهد كثيرا مع موسيقى المهرجانات الذى طفت على السطح في مصر، الفترة الأخيرة، وواجهت موجات عاتية من الرفض المجتمعي، واتهامات بإفساد الذوق العام، في الوقت الذي تحقق فيه نسب مشاهدات قياسية تتجاوز الـ 100 مليون.
واجهت موسيقى الراب، رفضا مجتمعيا، يشبه الرفض الذي تواجهه موسيقى المهرجانات المصرية، عند ظهورها الأول في حي "ذا برونكس" بمدينة نيويورك، والذي يعتبر من الأحياء الفقيرة، ويمتلك تركيبة عرقية ملونة يسيطر عليها الأمريكيون من أصل أفريقي، وحاول مؤدوه الحديث عن العديد من أمور شائكة، مثل العلاقات الجنسية أو وحشية الشرطة أو الخلافات بين العصابات، وكان يتم ذلك بشكل ترفيهي، فكان يتم إذاعة تلك الأغاني في محطات الإذاعة الأمريكية الأفريقية، حتى بدأت شركات الإنتاج تنتبه لهم ويأخذ الأمر شكلا تجاريا في الثمانينيات.
وفي تسعينيات القرن العشرين، أصبحت موسيقى الراب فنا متحققا بشكل كبير داخل الولايات المتحدة وخارجها، حتى أصبح يطلق عليها الفترة الذهبية، حيث طرأت تغييرات جوهرية على النمط السائد المعتاد، ومع بداية الألفية الجديدة، ضرب هذا النوع من الغناء مجموعة كبيرة من الدول مثل "فرنسا، بريطانيا، البرتغال، هولندا" حتى وصل إلى الشرق الأوسط، وشهدت تلك الفترة في الولايات المتحدة، خلافا شرسا بين مغني الساحل الشرقي الذي كان يغلب عليه شكل أكثر عدائية، ومغني الساحل الغربي، حيث وصل الأمر إلى تدبير حوادث للتخلص من بعض رموز الطرفين، مثل "نوتوريوس" الذي أصيب بـ 6 رصاصات، عام 1997، و"توباك" الذي مات أيضا بنفس الطريقة ولم يكن تجاوز الـ 25 عاما، وباعت أعماله أكثر من 75 مليون ألبوم حول العالم.
الجدل حول موسيقى الراب، أصبح في طليعة اهتمام وسائل الإعلام الأمريكية، بعد التنافس الشرس بين الساحلين الشرقي والغربي، ووصل الأمر إلى ارتكاب جرائم قتل، وكانت الجماعات السياسية والإعلامية سريعة في إلقاء اللوم على "الراب"، باعتباره خلق اتجاها واضحا للعنف لدى الشباب، بالإضافة إلى النقاد الذين أشاروا إلى الكلمات العنيفة لبعض المغنيين.
قالت البروفسيرة "بيكي بلانشارد"، في مقال لها بعنوان "الأهمية الاجتماعية لثقافة الراب والهيب هوب"، إنه يُنظر إلى مغني الراب على أنهم صوت الشباب الأميركيين من أصول أفريقية فقيرة، الذين يتم استبعادهم أو تجاهلهم، ولكن ازداد افتتان الشركات الأمريكية بالراب مع تلاشي المحتوى السياسي لهذا النوع، حيث تم الضغط على مغني الراب ذوي العقلية التجارية للاضطلاع بالأدوار المحدودة التي أثبتت أنها مربحة بالنسبة لهم.
وتابعت: "تبدو موسيقى الراب عنيفة بشكل مفرط إذا تم مقارنتها بالموسيقى الشعبية الريفية، موضوعات الأغاني عن حياة العصابات، هي انعكاس للحياة اليومية في الأحياء اليهودية والمدن السكنية ذات الطبقات العرقية والاقتصادية، العنف في موسيقى الراب ليس عاملًا مؤثرًا يهدد بإلحاق الأذى بشباب أمريكا، ولكنها صرخة لمشكلة قائمة بالفعل من الشباب الذين تشكلت مخاوفهم من خلال تجربة التفاوتات الاقتصادية العميقة المنقسمة إلى حد كبير على أسس عرقية".
ووفقا لـ "بلانشارد"، حاول البعض إنشاء أنظمة تصنيف موسيقي، وتحذيرات استشارية للآباء، وفرض رقابة مباشرة على الألبومات التي تحتوي على كلمات قد تكون ضارة للشباب والأطفال، في أغاني الراب، ومنهم السناتور جوزيف ليبرمان، الذي هاجم صناعة موسيقى الراب، عام 1997، باعتبارها تحرض على العنف.
"النقابة عايزة تمحي فن المهرجانات".. كان ذلك تعليق حمو بيكا، على قرار نقيب المهن الموسيقية، بوقف مؤدي المهرجانات، وهو النوع الجديد من الغناء الذي لاقى إعجاب مجموعة كبيرة من المصريين، بينما واجه رفضا قاطعا لدى فئات أخرى، رغم أنه نوعا من الغناء أفرزته تجارب اجتماعية وثقافية معينة، مثل ما حدث مع الراب في سبعينيات القرن الماضي.
تعليقات الفيسبوك