مكان ثابت على رصيف ميناء غزة، يأتي إليه باكرا، رجل كفيف يتكأ على زوجته، في موعد ثابت كل يوم، يهتدي إلى تعاريج الطريق بنور عينيها، وتستقر روحه برفقتها، لا تتركه وحيدا، تصطحبه كل يوم صباحا ويعودان مع غروب الشمس، باتت ملامح الزوجين مألوفة للعاملين بالمكان، تلتف حولهما طيور البحر، فيكتمل جمال المشهد وكأنهم حبيبين في العشرينات من عمرهما غير مكترثين بمن حولهما.
قبل 30 عاما من الآن، لم يعرف ماهر الزربا، ابن مدينة نابلس الفلسطينية، مهنة سوى صناعة الحلويات "حلواني"، أحبها وأبدع في إعداد أصنافها، حتى أجبرته ظروف الاحتلال على الانتقال إلى مدينة غزة المحاصرة، وهناك التقى بزوجته وأم أبنائه، آمال سعيد، وتزوجا في عام 1986، وأنجبا 5 أولاد و3 بنات، حسب رواية الزوجة.
فقد ماهر بصره بسبب الضغط والسكر وترك عمله في مهنة الحلويات وتفرغ لهواية الصيد
استمرت حياة الرجل الستيني وزوجته، كما هي بحلو أيامها ومرها، حتى شاء القدر أن يفقد بصره تماما قبل عام واحد بفعل إصابته بالضغط والسكر، وحسب رواية الزوجة آمال لـ"الوطن" استيقظ ذات يوم فاقدا لنور عينيه، تغيرت مجريات الأمور واختلفت شكل الحياة عما كانت عليه من قبل.
طوال سنوات عمره ارتبط الرجل بالصيد كهواية أحب ممارستها، يحضر سنارته الخاصة ويذهب إلى ميناء غزة ليستمتع بساعات طوال في حضرة البحر وجيرانه، وبعد أن فقد بصره أضحت زوجته الخمسينية مرافقا جديدا له في رحلته إلى الميناء.
بالحكي واستعادة الذكريات تارة، وبالتشجيع والاحتفال عند نجاحه في اصطياد سمكة بسنارته، تارة آخرى، تشارك الزوجة الغزاوية زوجها الكفيف ساعاته التي يقضيها في ممارسة هوايته المفضلة على شاطئ ميناء غزة، تستمع برؤيته سعيدا بأصغر إنجازاته، حتى إذا غربت الشمس صاحبته مرة أخرى في طريق العودة إلى بيتهما الصغير وعلى وجه كليهما علامات الرضا تصف حالتهم الزوجة آمال بقولها، "اللي يشوفنا يقول اتنين مخطوبين".
تعليقات الفيسبوك