يد ممدودة بالخير، تبحث عن فقير لإطعامه، ودائن لفك كربه، ومتعثر فى معيشته لتيسير سبله، هكذا اعتاد المصريون أن يكونوا يداً واحدة فى مواجهة الفقر. شباب متطوعون وتجار فاكهة وخضار وأصحاب محال بقالة، جمعتهم حملات خيرية أطلقوها فى الفترة الأخيرة لرفع الحرج عن غير القادرين.
علاج مجانى على روح "طبيبة الغلابة"
فى الذكرى الأولى لوفاة الدكتورة هبة خفاجى، أستاذ الأورام بقصر عينى، والملقبة بـ«طبيبة الغلابة»، قام أصدقاؤها باستكمال الحلم الذى طالما حلمت به وجهزوا بالجهود الذاتية مركزاً لعلاج الأورام بالمجان، وقريباً سيتم الإعلان عن افتتاحه للجمهور.
يقع المركز العلاجى، فى منطقة المهندسين، وسيتم افتتاحه بعد شهرين تقريباً، عقب استكمال جميع الأوراق الرسمية والموافقات الطبية: «من أجمل الهدايا اللى ممكن نهديها لهبة صاحبة القلب الطيب وملاك الرحمة»، قالها إسلام الحسينى، أحد أصدقائها، وقد استغرق بناء المركز أكثر من 10 شهور، وهو عبارة عن دور واحد، تم تجهيزه بأحدث الأجهزة الطبية: «شاركت معانا جمعية عطاء السماء وتبرعت بنصيب كبير فى بناء المركز، وفيه جمعيات خيرية تانية ساعدتنا لإحياء ذكرى وفاة هبة».

نعى الكثيرون الطبيبة، وحزنوا بشدة لفراقها، ولم يجدوا أفضل من هذه الهدية لروحها الطاهرة: «أغلب الناس اللى شاركت فى المشروع، هبة هى اللى كانت معرّفاهم ببعض وهى اللى دخلتهم مجال التطوع، عشان كده كانوا متحمسين للتبرع سواء بالمجهود أو بالفلوس وكان خارج من قلبهم بجد»، حسب «إسلام» الذى أكد أن جميع أصدقائها اجتمعوا يوم 28 يناير، للاتفاق على الترتيبات النهائية قبل افتتاح المركز: «المركز هنكبره وهنعالج فيه المرضى غير القادرين عشان الثواب يروح لهبة»، لافتاً إلى أن بعض الأطباء سيتبرعون بأجورهم.
الإطعام بالفاكهة اشترى كيلو واتبرع بثمرة
«اشترى كيلو واتبرع بثمرة واحدة»، لافتة تصدّرت محال الخضار والفاكهة فى منطقة السيدة زينب، حيث بادر 4 تجار من المنطقة بتدشين مبادرة لأهل الخير مفادها أن يترك كل زبون ثمرة واحدة عن كل كيلو اشتراه، سواء من الخضار أو الفاكهة، على أن تُجمع كل تلك الثمار فى صناديق وتوزع على غير القادرين من الممتنعين عن شراء الفاكهة لارتفاع أسعارها.

أطلق مصطفى مرسى، تاجر فاكهة، المبادرة التى أطلق عليها «إحنا لبعض»، بل وشجع عدداً من التجار على الانضمام لها حتى لا يُحرم الفقير من شراء احتياجاته بسبب ارتفاع الأسعار: «كل واحد بييجى يشترى باقول له هاخد من الكيلو واحدة، وإنها هتوجّه لأهل الخير، وبصراحة الناس بيوافقوا على طول». تم إطلاق المبادرة منذ يومين فقط، وينوى «مرسى» أن يعمل بها طوال السنة: «اتفقت أنا وبعض زمايلى من تجار المنطقة على المبادرة، وكانوا مرحبين بيها لمساعدة الغلابة، إحنا ما اتفقناش هتقف إمتى، كل تاجر براحته، أنا عن نفسى هستمر فيها على طول»، موضحاً أن بعض زبائنه يتبرعون بأكثر من ثمرة عن كل كيلو لأخذ ثواب إطعام غير القادرين: «إحنا عارفين الناس اللى ماتقدرش تشترى، والزباين واثقين فينا وسايبين لنا عملية التوزيع».
دروس رياضيات صدقة جارية لوالد "المستر"
فى لمسة وفاء تدل على الإخلاص، قرّر مصطفى الصياد، مدرس رياضيات فى مدرسة خاصة بمدينة تلا التابعة لمحافظة المنوفية، تنظيم دروس بالمجان لطلاب الشهادة الإعدادية كصدقة جارية على روح والده، الذى كان يعمل مدرساً للغة العربية، والذى توفى منذ أسبوع فقط، حيث كتب على صفحته على «فيس بوك»: «صدقة جارية على روح والدى، رحمة الله عليه، وسيراً على نهجه الحميد.. أرحب بأى عدد من طلاب المرحلة الإعدادية، مادة الرياضيات، مجاناً لوجه الله تعالى». فكرة تقديم دروس بالمجان لطلاب الإعدادية، كانت الصدقة التى أراد مصطفى الصياد، تقديمها على روح والده: «والدى كان يتكفّل ببعض الطلاب لمساعدتهم فى بعض الدروس، وبعد وفاته كان لا بد أن أسير على نهجه وأكون نموذجاً فى البر به والتصدّق على روحه، بالإضافة إلى شعورى بالتقصير الكبير تجاه والدى»، موضحاً أن الصدقة الجارية تفيد الميت فى قبره.

فور إعلان «الصياد» عن تقديم الدروس الخصوصية بالمجان تواصل معه نحو 30 طالباً فى الصف الثالث الإعدادى: «ليس لدى مانع من التدريس لأى عدد من الطلاب، حتى لو كان عددهم أكثر من 200 طالب»، مؤكداً أنه لا يريد شهرة من وراء قراره، وإنما يبتغى بذلك وجه الله وخدمة الناس فقط، مؤكداً أن الدروس ستقام طوال العام بالمجان وليس لفترة قصيرة، مؤكداً أنه يرحّب بتقديم الدروس بالمجان فى أى مكان داخل مراكز الشباب أو فصول تقوية للطلاب.
اشترى بالفكة رومى وشيدر ولانشون
«جبن، لانشون، حلاوة طحينية»، أصناف طعام بسيطة غالباً ما يتناولها المصريون فى وجبتَى الفطور والعشاء، لكن مؤخراً ارتفعت أسعارها، فعزف عنها غير القادرين، ما دفع بعض أصحاب محال البقالة فى مناطق مختلفة بالقاهرة والإسكندرية إلى إطلاق مبادرة «البيع بالفكة» لبيع أطباق من الجبن واللانشون والحلاوة بأسعار تبدأ من جنيه ونصف حتى 5 جنيهات.

مبروك عبدالمالك، صاحب محل بقالة، انضم للمبادرة بطرح كميات بسيطة من كل نوع بأسعار لا تتعدى الـ5 جنيهات، ومنها «جبن براميلى بجنيه ونصف، وفلامنك ورومى وشيدر تبدأ من جنيهين، لانشون وحلاوة بكميات تكفى فرداً واحداً». يبيع يوسف عبدالله، صاحب محل ألبان، جبن المثلثات بالقطعة مقابل نصف جنيه، بالإضافة إلى الأصناف الأخرى، «لانشون، بسطرمة، شيدر، زبدة»، بأسعار لا تزيد على الـ 5 جنيهات: «هبيع بأى مبلغ، مش هخرّج حد من المحل مكسور الخاطر».
"تكية المعادى".. فراخ ولحمة ومكرونة بشامل
بمشروع يعتمد على توفير فرص عمل للمعيلات، ووجبات مجانية للمحتاجين ومحدودى الدخل، وملابس ومستلزمات معيشة لأطفال الملاجئ ودور الرعاية، اختارت نهى عبيد خدمة المجتمع بمشروع خيرى أطلقت عليه «تكية خير المعادى». «كنت أنا وزوجى نريد تقديم مساعدات للفقراء والمحتاجين، كنت أصنع وجبات منزلية وأوزعها، ثم أدركت أن عدد المحتاجين يتناسب عكسياً مع كمية الوجبات، فقررت توسيع الفكرة، بالبحث عن سيدات معيلات يحتجن للمال، حيث طلبت منهن صناعة وجبات بمقابل مادى، لحوم، فراخ، صوانى مكرونة»، كلمات «نهى» التى تعمل مصممة أزياء بعد أن تركت مجال التدريس.
فكرة «التكية» بدأت بعد وفاة والدها، ولكنها شهدت توسعاً كبيراً فى الفترة الأخيرة، بعد شراء شقة خاصة بعمليات تجهيز الطعام: «قبل بداية المشروع، عندما كنا نقدم مساعدات مادية للسيدات المعيلات، كن يرفضن بشدة، فقررت توفير فرص عمل لهن، ونجحنا بالفعل فى إنقاذ عشرات الأسر من شبح الفقر، أو دخول السجن بسبب تعثرهن فى سداد القروض التى يحصلن عليها، من أجل أسرهن».
"كرتونة الخير".. للطلاب الأكثر احتياجاً
فكرة تبناها معلمون بمدرسة الحديثة بنات الإعدادية بالسويس، لمساعدة الطالبات غير القادرات وأسرهن، بوضع كرتونة مجمع بها عدد من السلع الغذائية مساهمة من معلمى المدرسة للحالات الخاصة الموجودة بالمدرسة.
لم تقتصر المبادرة على المدرسة، بل خارجها أيضاً، حيث طلب المدرسون من الطالبات إبلاغهم بمكان الأسر الأكثر احتياجاً لمنحهم كراتين الخير، وتتكون الكرتونة من مواد غذائية مختلفة، من بينها مكرونة، زيت، سكر وبعض المستلزمات المنزلية، وحسب مدرس طلب عدم ذكر اسمه، فإنهم يهدفون إلى مساعدة أسر بعض الطالبات غير القادرين، مؤكداً أن المدرس ليس دوره فقط تقديم المواد الدراسية أو العلمية، بل أيضاً من واجبه مساعدة من يحتاجون المساعدة: «نقوم بتوزيع الكراتين عقب انتهاء اليوم الدراسى حتى لا تشعر الطالبات بحرج، ولا نكشف عن أسماء الطالبات اللاتى قمنا بمساعدتهن».

مها على، طالبة بالمدرسة، أكدت أن الطالبات القادرات مادياً يساهمن أيضاً فى هذه المبادرة التى تهدف إلى نشر الخير فى المجتمع: «هذه المبادرة تجعلنا نفتخر بمدرسينا، لأنهم لا يكتفون بالحضور بتقديم وشرح المنهج الدراسى، بل أيضاًً حريصون على رعاية الطالبات الأشد احتياجاً وأسرهن، وهو ما جعل أولياء الأمور الذين لديهم قدرة مالية على مساعدة أسر الطالبات الذين هم فى حاجة إلى المساعدة».
تعليقات الفيسبوك