جدران تحمل بداخلها رائحة عتيقة تُشعرك بمجرد دخولك إلى المكان وكأنك داخل قاعة أثرية، فرغم مرور 207 أعوام على إنشاء هذا المحل الكبير داخل حي الغورية بمنطقة الحسين، إلا أنه مازال يحمل بين ثناياه عظمة ما عاصره من حقب زمنية قديمة شاهدة على تاريخ أسرة محمد علي، منذ دخولها إلى مصر، وحتى رحيل آخر ملوكها فاروق الأول.
شهد محل "الطرابيشي"، على مراحل مختلفة من تاريخ مصر الحديث، ليظل صامدًا حتى يومنا هذا، وسط العشرات من تغيرات الزمن الطارئة، حيث يحاول صاحبه وحفيد مؤسسه "عماد الطرابيشي"، الصراع من أجل بقاء مهنته ومهنة آبائه وأجداده وهي "صناعة الطربوش".
"دكان أو محل الطرابيشي"، صاحبه هو أحمد محمد أحمد الطرابيشي، الذي أسسه عام 1812، تاركًا إرثًا كبيرًا لأولاده وأحفاده وصولًا إلى "عماد"، المسؤول عن المكان حاليًا.
"احنا أقدم وأول ناس صنعنا الطرابيش في مصر، وما زلنا لحد دلوقتي بنصنعه بس طبعًا إنتاجنا مبقاش زي زمان خالص"، هكذا وصف عماد الطرابيشي، ما آلت إليه مهنة أجداده.
كشف عماد الطرابيشي، عن تفاصيل هذه الصناعة العتيقة، فيقول: "صناعة الطربوش أصلها تركي، ودخلت هنا في مصر مع أسرة محمد علي، والحمد لله إحنا صنعنا جميع طرابيش الأسرة المالكة لحد الملك فاروق".
باختلاف الأزمنة تنوعت خامات تصنيع الطربوش، فكان يتم استيراد أغلب خامات وأقمشة تصنيعه من الخارج، نظرًا لأهميته وشعبيه بين كافة طوائف الشعب المصري، لكن لم يعد يكترث "عماد" باستيراد خامات ثمينة في الوقت الحالي بسبب ندرة بيعه وطلب تصنيعه، معقبًا: "زمان كنا بنجيب الخامات من كذا دولة برة وخصوصا صناعة طربوش الملك، كنا بنشتري خاماته من سويسرا، بناء على طلبه وطبعا سعرها كان عالي جدًا، إنما دلوقتي صناعته بقت مقتصرة على الأوردرات اللي بتيجي لينا من السينما أو التليفزيون، وأحنا شغالين دلوقتي في تصنيع عمم وقبعات مسلسل سيف الله خالد بن الوليد اللي هيتعرض في رمضان الجاي".
أما عن سعر الطربوش قديمًا، يقول "الطرابيشي": "زمان كان سعر أغلى طربوش بيوصل لـ35 قرشا، ما يعادل 700 جنيه دلوقتي، وأغلى طربوش اتباع كان للملك فاروق وتمنه كان 2 جنيه دهب، إنما دلوقتي سعر الطربوش 5 أو 7 جنيهات".
ولم يكتفي محل "الطرابيشي" بصناعة الطرابيش فقط، حيث يهتم بصناعة العمم المختلفة، وعلى وجه التحديد الخاصة بالشيوخ والأئمة، فالفارق بينهم بسيط للغاية، "طربوش الإمام لونه نبيتي غامق والزر اللي فوق أسود، إنما لون طربوش القارئ نبيتي فاتح والزر لبني".
تعليقات الفيسبوك