مومياء زعيم القبيلة الأسبق "ويمونتوك مابيل"
على حدود منطقة جنوب شرق آسيا، في الجزء الغربي من جزيرة غينيا الجديدة، تعيش واحدة من القبائل البدائية القليلة المتبقية في عالمنا المعاصر، قبيلة ما زالت محتفظة بعاداتها وتقاليدها وأسلوب حياتها الذي توارثته منذ قرون عديدة، وظلت حتى وقت قريب جداً غير معروفة لباقي بلاد وشعوب العالم.

تعيش قبيلة "داني" في مرتفعات غرب جزيرة غينيا الجديدة، في الجزء التابع لدولة إندونيسيا، حيث تنقسم الجزيرة التابعة جغرافياً لقارة أستراليا إلى نصفين، واحداً منهما مستقل بذاته ويحمل اسم دولة "بابوا غينيا الجديدة"، بينما يتبع النصف الآخر دولة إندونيسيا، التي تقع جميع أراضيها الباقية في المنطقة الجنوبية الشرقية من قارة آسيا، وفقاً لما نشرته صحيفة "Daily Mail" الإنجليزية.

تم اكتشاف القبيلة وتسجيل وجودها للمرة الأولى عام 1938، عن طريق عالم الحيوان الأمريكي "ريتشارد أرشبولد"، الذي كان في رحلة استكشافية علمية بجزيرة غينيا الجديدة، حين رأى "ريتشارد" بعض أفراد القبيلة لأول مرة عندما كان يستكشف غابات وجبال الجزيرة باستخدام الطائرة.


نشر المصور الإيطالي "جيانلوكا تشانديني" صوراً مميزة لأفراد قبيلة "داني" البدائية، بعد أن ذهب في رحلة لجزيرة غينيا الجديدة، وعاش مع القبيلة لبعض الوقت، حتى وثق به زعماء القبيلة وسمحوا له بالتقاط الصور.


اشتهرت القبيلة في الماضي بممارستها لعادة أكل لحوم البشر، إلا أن بعض التقارير تؤكد امتناع أفراد القبيلة عن ممارسة هذه العادة الوحشية منذ تسعينيات القرن العشرين، خاصة مع زيادة سيطرة الحكومة الإندونيسية على الجزيرة، ومحاولتها إخضاع القبيلة لبعض القوانين التي تمنعهم من ممارسة بعض العادات التي يمكن وصفها بالهمجية أو غير الإنسانية.

إلا أن القوانين التي فرضتها الحكومة الإندونيسية لم تغير كثيراً من أسلوب حياة وعادات قبيلة "داني"، التي ما زال رجالها ونساؤها يرتدون نفس الملابس البدائية، ويغرزون أنياب الخنازير البرية في أنوفهم، ويدهنون أجسامهم ووجوههم بالأصباغ البيضاء والحمراء.

تشتهر القبيلة بعادة تحنيط الجثث، حيث يعتقد العلماء أن القبيلة تحتفظ بعدد 7 مومياوات لزعماء سابقين للقبيلة، وإن كان المصور "جيانلوكا" لم يرى إلا مومياتان اثنتين فقط، كان عمر واحدة منهما أكثر من 250 عاماً.

شرح زعيم القبيلة للمصور الإيطالي أن أهم المومياوات الحالية هي مومياء الزعيم الأسبق "ويمونتوك مابيل"، الذي تم تحنيطه منذ أكثر من 250 سنة، ويقوم رجال القبيلة يومياً بدهن موميائه بدهان مصنوع من دهون الخنزير البري، ويتم بعدها وضع المومياء فوق نار مشتعلة لمدة 6 ساعات، حتى يتصاعد دخان النار إلى مومياء المغطاة يدهون الخنزير، حيث يعتقد رجال القبيلة أن هذه الطريقة تساعد على حفظ المومياء وإطالة عمرها.

يرتدي جميع رجال القبيلة شيئاً يدعى "كوتيكا"، وهي عبارة عن غمد أو جراب، يتم صنعه من ثمار يقطين طولية رفيعة، تفرغ من الداخل لتصبح مجوفة، وتعلق بحزام حول خصر الرجل، لتستخدم لحماية الأعضاء التناسلية، أو أحياناً لحمل بعض الأغراض الصغيرة.

من العادات البدائية المثيرة للجدل في قبيلة "داني" عادة قطع عقل أصابع النساء عند موت أحد أقاربهم، حيث تستخدم بلطة كبيرة مصنوع نصلها من الصخر في قطع عقلة واحدة من أصابع يد أي امرأة بالغة يموت أحد أفراد أسرتها، بغرض استرضاء روح الميت، وعلى الرغم من اعتقاد الكثيرين أن القبيلة قد توقفت عن هذه العادة أيضاً إلا أن النساء اللاتي تم قطع بعض العُقلات من أصابعهن ما زلن موجودات بالقبيلة، وقد تمكن المصور الإيطالي من تصوير بعضهن.

تعتمد القبيلة بشكل أساسي على نظام غذائي نباتي، يقوم بدرجة كبيرة على البطاطا الحلوة والموز، إضافة على لحم الخنازير البرية، التي يتم صيدها باستمرار، إلا أنها لا تؤكل إلا في المناسبات فقط، حيث يتم إعدادها بطريقة خاصة، تعتمد على الطهي تحت الأرض في حفرة مفروشة بالحجارة شديدة السخونة، حيث يتم لف اللحم داخل قشر الموز، مع قطع البطاطا والموز، وتوضع فوق الحجارة الساخنة في باطن الحفرة، وتغطى بالمزيد من الحجارة الساخنة، وتغطى الحفرة بشكل كامل، لتصبح الوليمة جاهزة في غضون ساعتين تقريباً.

قال المصور الإيطالي إن أفراد القبيلة استقبلوه بمنتهى الترحاب، وأنهم أثاروا دهشته وإعجابه بتقاليدهم الغريبة الأصيلة ومومياء زعيمهم التي يحتفظون بها منذ أكثر من 250 عاماً، وأن كل شيء في أسلوب حياة أفراد القبيلة يدل على جمالهم وقوتهم، ووصفهم بأنهم لطيفو المعشر ومحاربون أقوياء.

كان "جيانلوكا" يتمنى لو يتمكن من رؤية جميع المومياوات السبع التي تشتهر بها قبيلة "داني"، إلا أنه شعر بالرضا بعد رؤية مومياء الزعيم "ويمونتوك مابيل"، مؤكداً أنه يعتبر محظوظاً لوثوق أفراد القبيلة به وسماحهم له برؤية المومياء، خاصة أنه علم أن أغلب المومياوات يتم الاحتفاظ بها في أكواخ خشبية خاصة، ولا يسمح إلا للأشخاص ذوي المكانة العالية برؤيتهم، كما لا يسمح إلا لأفراد قليلين بالقبيلة للمس أو حمل المومياوات.
تعليقات الفيسبوك