بين الحقيقة والخرافة، يسرد الموروث الشعبي قصصا حول كرامات وبركات القديسين، يظن البعض فيها تبجيلا ويرى آخرون أنها وسيلة لجذب المريدين وزيادة النذور والتبرعات.
وتزخر الكتب الدينية المسيحية بعشرات القصص عن حكايات ومعجزات القديسين الذين تعترف بهم الكنيسة، منها معجزات السيدة العذراء مريم وظهوراتها النورانية وأشهرها تجليها حسب الاعتقاد القبطي على الكنيسة التي تحمل اسمها بضاحية الزيتون في القاهرة عام 1968، وتربط بعض القصص عن القديسين بين الفلكور الشعبي والحقيقة وفقا لعدد من المتخصصين الأقباط.
«الأرثوذكسية» تشترط مرور 40 عاما على الوفاة و«الكاثوليكية» تطلب حدوث معجزتين لمنح «المتنيح» لقب «قديس»
وتنص قرارات المجمع المقدس للكنيسة الأرثوذكسية، على أنه يتوجب لمنح لقب «قديس» أن يكون مر على وفاة الشخص40 عاما على الأقل، وأن يكون انسانا تقيا متحليا بالفضائل وإيمانه سليم ولا يشترط صنع المعجزات، وأن كانت الكنيسة لا تمنع وجود «بركات» لبعض القديسين، فيما تشترط الكنيسة الكاثوليكية للاعتراف بالقديسين حسب قوانين الفاتيكان أن يتم الشهود لهما بحدوث معجزتين على الأقل، الأولى يتم بها "تطويب" الشخص بعد 5 سنوات من وفاته على الأقل، والآخرى لمنحه لقب «قديس».
وبعيدا عن الكنيسة تنتشر قصص البركات والمعجزات التي وصلت إلى الصور والايقونات، أو الترويج لزيارة بعض الأماكن، التي تضج بها مواقع التواصل الاجتماعي، وتحذر منها الكنيسة رسميا في كثير من الأحيان.
وتعتمد الكنيسة الأرثوذكسية للاعتراف بأي معجزة على تشكيل لجنة كنسية لفحص حقيقة الواقعة وأشهر لجنة في التاريخ الحديث كانت التي شكلها البابا الراحل كيرلس السادس، البطريرك الـ 116 لتقصي حقيقة ظهور العذراء على قباب كنيسة الزيتون في القاهرة عام 1968، وأقرت حدوث الواقعة اعتمادا على شهادة الشهود.
وأكدت الكنيسة حدوث معجزات واكبت هذا الظهور تمثلت في شفاء مصور صحفي بجريدة الأهرام يدعى وجيه رزق، حسب المتحدث الرسمي للكنيسة الأرثوذكسية، القس بولس حليم، الذي أشار إلى أن "رزق" كان قد أصيب في ذراه خلال حادث، وأكد 4 من أكبر أطباء العظام استحالة عودة الحركة إلى الذراع مرة أخرى، إلا أنه في عام 1968 وأثناء ما عرف بـ"ظهور العذراء" على قباب كنيسة الزيتون، التقط المصور صورة للعذراء وشفى ذراعه بعدها تمام.
وأضاف «حليم»، أن المصور أثناء انفعاله بالحدث والتقاطه للصورة التي نشرت وقتها في الصفحة الأولى بجريدة الأهرام، نسى ذراعه ولم يلحظ أنه شفي إلا بعد انتهاء التصوير، مشيرا إلى أن صورة "وجيه رزق"، رفعها الأنبا صموئيل أسقف الخدمات والعلاقات العامة أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقد في الكنيسة المرقسية الكبري يوم 4 مايو 1968 بحضور الأنبا إبرام مطران الفيوم، والأنبا اثناسيوس مطران بني سويف، والأنبا جريجوريوس اسقف البحث العلمي، وهو المؤتمر الذي أعلنت الكنيسة الارثوذكسية خلاله صحة ظهور السيدة العذراء.
>> معتقدات قبطية بخروج «النور المقدس» من قبر المسيح فى كنيسة القيامة بالقدس مع الاحتفال بطقوس «سبت النور» بعد اختتام «أسبوع الآلام»
ومن الكرامات المعلنة والمعترف بها، قصة عمود كنيسة أبي سرجة الأثرية في مصر القديمة، وتشير فيها الكنيسة إلى أنه في بداية أسبوع الآلام عام 1967 لاحظ آباء الكنيسة أن هناك دم يسيل من منتصف العمود الثاني من الغرب في الناحية القبلية حيث المنطقة التي تصلى فيها صلوات أسبوع الآلام فذهبوا على الفور إلى البابا كيرلس السادس ليخبروه بما حدث، فجاء وصلى ووضع أصبعة على الدم الذي توقف في الحال ولا يزال آثار الدم ومكان أصبع البابا على هذا العمود إلى الآن.
وخلال السنوات الماضية ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بقصص عن "صور" وإيقونات يسيل منها "الزيت" و"الدم"، داخل بعض المنازل، ورفضت الكنيسة رواياتها وحذرت منها بحجة أن البعض يلجأ لذلك من أجل جمع الأموال أو التبرك.
وشهدت منطقة عزبة النخل الغربية بالقاهرة ضجة عندما ادعى المواطن "عادل سمير" وجود صورتين في منزله لـ"المسيح" واحدة تخرج زيتًا والأخرى تنزف دمًا، ونقلت الصورتين للكنيسة القريبة من البيت، لكن بعد فترة من الوقت، أعلن أن الصور توقفت عن إخراج الزيت والدم، بعد أن جذبت القصة العديد من المواطنين البسطاء، الذين تزاحموا على منزل المواطن لمشاهدة الظهور أو التبرك بالزيت رغبة منهم في شفاء أمراضهم أو تحسن أحوالهم المعيشية.
ورغم عدم اعتراف الكنيسة بحادث "عزبة النخل" في عام 2014، إلا أنها تعترف بنزول "زيت" من صورة العذراء مريم في كنيسة الأنبا بيشوي ببورسعيد، وهي المعجزة التي يقال أنها تحدث منتصف شهر فبراير من كل عام، حيث تجذب هذه المعجزة المواطنين من كل حدب وصوب لمشاهدة صورة السيدة العذراء، التي وضع أسفلها كيسا من البلاستيك السميك يتجمع فيه الزيت النازل منها، ويظهر الزيت بوضوح وهو ينساب من خلف زجاج يغطي الصورة.
وتعود معجزة "الزيت" إلى عام 1990، عندما كانت إحدى السيدات وتدعى "سامية" تعانى من مرض "السرطان" وجاءت لها السيدة مريم العذراء في المنام ومعها الأنبا بيشوى وبعض القديسين وعقب ذلك شفيت تماما، وقالت الكنيسة إن صورة العذراء التي كانت عند السيدة "سامية" كان ينزل منها زيت له قوام سميك وله قدرات علاجية كبيرة كعلاج أمراض الكبد وتأخر الإنجاب وتم نقل الصورة للكنيسة، وأعلن البابا شنودة عن هذه الواقعة رسميا ووصفها بالمعجزة في مجلة "الكرازة" الناطقة بلسان الكنيسة.
ومن القصص الرائجة «معجزة» النار أو النور المقدس، وتعد من أبرز المعجزات المسيحية عالميًا، وتتفرد بها كنيسة القيامة بالقدس المحتلة قبل يوم من احتفال الكنيسة الشرقية بـ"عيد القيامة" حيث يعتقده المسيحيون أن "النار المقدسة" أو "النور المقدس" يخرج حسب اعتقادهم من قبر المسيح داخل كنيسة القيامة، مع الاحتفال بطقوس «سبت النور» الذي يحتفل به الأقباط ، بعد اختتام "أسبوع الآلام".
وتؤكد المراجع الكنسية، إن «معجزة النار المقدسة» وثّقت للمرة الأولى عام 1106 ميلادية، وتحدث سنويا، عندما يدخل بطريرك أورشليم وحده إلى قبر المسيح، بعد فحصه جيدا من قبل سلطات الاحتلال، للتأكد من أنّه لا يحمل أي مادة أو وسيلة لإشعال النار، ويتم فحص القبر قبل الحدث، ويوضع ختم من العسل الممزوج بالشمع على باب القبر.
ويحضر المصلون الحدث مرددين "كيرياليسون"، وتعني باليونانية "يا رب أرحم"، ثم بعد ذلك تنزل النار المقدسة على 33 شمعة بيضاء في رزمة واحدة، وتدل الشعلة على أنّ المسيح قام وهزم الموت، وهذه النار لا تصيب أحدا بأذى فيصور الحاضرون أنفسهم وهم يقربون النار على وجوههم وأياديهم لعلمهم أنّها لن تصيبهم بأذى، وحسب اعتقادهم ينقل هذا النور المقدس من مدينة القدس إلى العالم، حيث يتسلم ممثل البطريرك ثيوفيلوس في الأردن "النور"، وينقله إلى مقر البطريركية في عمان، ومنها ينقل إلى عدد من الدول العربية مصر، سوريا، العراق، ولبنان.
تعليقات الفيسبوك