بعد يوم طويل من فحوصات أعين الكثيرون من أبناء محافظة الأقصر، التي ينغمس فيها بين العديد من الأوراق والأدوية وفحوص النظر والروشتات، يخلع عنه بالطو الطبيب الأبيض، لينفصل عن مهنته ويعود إلى هوايته التي بزغت داخله منذ أن كان في السابعة من عمره، كـ"رسام وخطاط" ينسج من فنه أشكالا تبهج أعين الناظرين التي يعالجها يوميا.الدكتور أحمد رجب حسين، طبيب عيون في مستشفى الأقصر الدولي، منذ عدة أعوام حرص على التركيز في مهنته والتميز فيها من أجل مساعدة المرضى، ولكنه لم يغفل أو يخجل في الوقت نفسه من ممارسة هوايته التي اكتشفها منذ أن كان بالصف الأول الابتدائي، وهي الرسم وكتابة الخط العربي، بعد أن لمسها فيه المعلمون وقتها وعملوا على تشجيعه بشدة.
مسابقات وجوائز عدة حصدها طبيب العيون على مدار عمره الـ29، آخرها المركز الأول في مسابقة "إبداع" لوزارة الشباب والرياضة في الأقصر قبل أشهر، والتي سيتأهل بها إلى أخرى على مستوى الجمهورية، وسبقها بأن حصد أيضا المركز الأول بمسابقة الرسوم بجامعة الأزهر لعاميين، فضلا عن مساهمته في تصميم دعاية للمحال، ورسمه على اللوحات والأوراق والحجر وحتى "البطيخ"، فضلا عن تزيينه لجدران منازل الحجاج بقريته القرنة في البر الغربي في الأقصر.
شهرة واسعة حصدها "أحمد" بين أبناء قريته والأقصر أيضا، ليكون قاعدة ضخمة من الأصدقاء والمتابعين لأعماله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك تواصل معه المهندس علاء عبدالماجد، المسؤول عن مبادرة "أنا وابن عمي بنساعد بعض في قرية البعيرات" المجاورة لقريته، لطلب مساهمته في تزيين سور مقابر البعيرات التي توجد في مدخل القرية وتعاني من إهمال شديد شوه شكلها.
سرعان ما وافق الطبيب سريعا على المشاركة في المبادرة، لاسيما أنه في فترة إجازة حاليا، ومساهمة منه للمبادرة التي شُكلت قبل شهر تقريبا، ليلتقي مع فريق مكون من 5 آخرين، بينهم مدير مدرسة الخط العربي بالمحافظة إبراهيم عبدالعزيز، ومعلما آخرا بها هو أحمد عُمر، فضلا عن طالب بالثانوية الأزهرية هو محمد إسماعيل، بالإضافة إلى مشاركة من فنانة فرنسية مقيمة بالأقصر التي تولت الزخارف والتلوين، ويقرروا جميعا كتابة آيات قرآنية ومواعظ على أسوار المقابر التي تزيد على 600 متر.
طوال الأسبوع الماضي، عمل فريق المبادرة ليلا وصباحا على تزيين الأسوار الضخمة، وتحويلها من متهالكة لأخرى جديدة وراقية ببناء المهدم منها ثم طلائها قبل كتابة الآيات المتفق عليها، ليكون اليوم هو آخر أيام العمل بها، لتسر الناظرين القادمين إلى المدينة بدلا من المظهر غير الحضاري الموجود مسبقا، فضلا عن تعريف الجميع بالمبادرة الخيرية التطوعية لمساعدة أبناء البعيرات، حيث شكلوا برنامجا للفترة القادمة سيبدأوه بالمساعدة في توزيع حقائب المدارس خلال الأسبوعين المقبلين.
"عمري ما هتكسف من شغل الكتابة والرسم ولا هتكسف من اللبس اللي بلبسه عشان أرسم، أو أكتب بحجة أني دكتور وأنه مينفعش ألبس زي النقاش".. إيمان عميق لدى الطبيب أحمد رجب بأن مهنته السامية مختلفة ومنفصلة تماما عن هوايته المحببة ولا تؤثر عليها أيضا، قائلا: "أنا دكتور في المستشفى وبقوم بشغلي على أكمل وجه الحمد لله، وبعد كده بمارس هوايتي مع نفسي".
فضل الطبيب المساهمة في تلك المبادرة تحديدا كونها عملا خيريا واعتبرها كصدقة جارية، لذلك أبدى استعداده في الاشتراك بالمبادرات المقبلة، حيث يتمنى مستقبلا تنمية موهبته بأن يتمكن من كتابة القرآن الكريم كاملا بخط يده، وهو ما يشجعه عليه أسرته وأصدقائه والعاملين بالمستشفى، كونه لم يخجل أبدا من إعلان ذلك الأمر بينهم، واشترك مسبقا في مبادرة "تجميل أسوار محطة سكك حديد الأقصر".
تعليقات الفيسبوك