لا شك أن الاحتفاظ ببعض الأشياء القديمة، التي تعتبر ذات قيمة كبيرة، هو أمر عادي بالنسبة للكثير من الأشخاص.
صور الطفولة، الهدايا التذكارية التي تذكرنا بمكان أو فترة معينة، بعض الخطابات التي تلقيناها أو كتبناها لمن هم مقربون إلينا، وغير ذلك الكثير، تعتبر من الأشياء التي يحرص غالبية الناس على الاحتفاظ بها، وحمايتها من التلف. ولكن هل يمكن لبعض الأشخاص أن يبالغوا في أمر الاحتفاظ بالأغراض، سواءً كانت قديمة أو جديدة؟
في تقرير نشره موقع "Science ABC"، فإن الاحصائيات أظهرت إصابة أكثر من 3 ملايين شخص في بريطانيا بما يعرف بـ"اضطراب الاكتناز"، وهو مرض نفسي تم توصيفه حديثا في بريطانيا، وبالتحديد في عام 2013، من قبل هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، ويمتاز المصابون به بميلهم الشديد لتجميع واكتناز جزءا كبيرا جدا من الأغراض، حتى لو كانت هذه الأشياء ليس لها أهمية، مثل الجرائد القديمة، أو القصاصات الورقية، أو الأجهزة والأدوات المنزلية المكسورة بغرض إصلاحها فيما بعد.
هذا الاضطراب كان ينظر إليه في البداية على أنه أحد صور الوسواس القهري، الذي يتميز بدوره بميل الشخص المصاب لتكرار فعل معين بشكل زائد عن الحد، إلا أنه تم تمييزه فيما بعد كاضطراب مستقل وليس كشكل من أشكال أحد الاضطرابات الأخرى. اضطراب الاكتناز له درجات كثيرة، وليس بالضرورة أن يكون المصاب به في حالة متأخرة، إلا ان المصابين بهذا المرض تميل حالتهم للسوء بمرور الوقت إذا لم ينتبهوا لحالته المرضية أو لم ينبههم أحد المقربين بزيادة حالتهم عن الحد الطبيعي. الدراسات وجدت أن الأشخاص الذين يزيد عمرهم عن 55 عاماً يكونون أكثر عرضة للإصابة بالمرض من باقي الأشخاص بثلاثة مرات، وإن كانت البدايات الحقيقية للمرض قد تظهر في سنين المراهقة الأولى عند بعض الأشخاص. في دراسة أمريكية أجريت عام 2014، إلى أن نسبة 70% من المصابين كانوا من النساء، بينما كان 85% من غير المتزوجين.
يقول دكتور "توم جراهام"، عالم النفس الإنجليزي، أن عملية معالجة البيانات والتصنيف داخل عقل الشخص المصاب باضطراب الاكتناز تكون مختلفة عن الشخص الطبيعي، حيث يعتقد ان المصاب بهذا الاضطراب يتعرض لمشاعر متضاربة من الحيرة وعدم الثقة والقلق اثناء عملية اتخاذ القرار، وهذا ربما يكون السبب الرئيس لميل المصاب للاحتفاظ بأي شيء وعدم التخلص منه، حتى لو كانت قيمة الشيء شبه معدومة، لكي يريح نفسه من عناء التفكير واتخاذ قرار التخلص من الشيء أو إبقائه. بمعنى أخر، فإن الميل للاكتناز وتكديس المقتنيات يكون غالبا نتيجة لشعور الشخص بعدم الثقة في قدرته على تحديد أهمية الشيء الحقيقية، وبالتالي عدم قدرته على اتخاذ القرار الصحيح، وهذا يدفع المصاب لاتخاذ القرار "المريح"، وهو إبقاء الشيء على اية حال، متعللا بأن الشيء قد يكون ذا قيمة، ولو صغيرة، في المستقبل، وذلك لكي يجد لنفسه مبررا مقبولا لكل الأشياء التي يكدسها ويرفض (أو يؤجل بشكل متكرر) مهمة فرزها والتخلص منها.
الباحثون توصلوا أيضا إلى عدد من الأسباب المحتملة لهذا الاضطراب، فيرى البعض أن فقدان أحد الأحباء قد يؤدي إلى اصابة الشخص بهذا الاضطراب، حيث إن اكتناز الأشياء قد يعطي الشخص إحساسا بالأمان، ويساعده على تعويض "الفراغ" الذي تركه رحيل الشخص المقرب لقلبه، فالأشياء باختلاف أنواعها لا تموت ولا يمكن أن تتركنا، لذلك فإن "الكراكيب" قد تُعطى الشخص الحزين، أو الذي يشعر بالوحدة الشديدة، إحساسا بالألفة والإيناس. ملاحظة أخرى سجلها أحد الباحثين، وهي أن الأشخاص الذي تمت تربيتهم في بيت يعاني من الأزمات المادية، معرضون أيضا للإصابة باضطراب الاكتناز.
الخبراء النفسيون ينصحون الأقارب والأصدقاء الذين يعرفون شخصا مصاب بهذا الاضطراب ألا يجبروهم على فرز الأشياء المتراكمة، ولا يعطوا أنفسهم الحق بفرزها نيابة عنهم، حيث إن هذا قد يسبب لهم أزمة نفسية كبيرة، بل يجب عليهم أن يلجأوا للنصائح العارضة، التي يمكن توجيهها لهم بلهجة ودية ثناء الحديث، وكذلك قد يكون من المفيد أن يُكثر الاهل والأصدقاء من زيارة الشخص المصاب، وتحسين الحالة المزاجية للمصابن فهذا أدعى أن يتمكن من مواجهة مرضه.
تعليقات الفيسبوك