وسط الزحام المعتاد بين عربات الـ"ميكروباص"، وحيث لا صوت يعلو فوق صوت "السائقين"، تطغي رائحة "الأكل البيتي" على المكان وتنادي نظافته المتدافعين نحو العمل أو إلى البيت، لتكون "ساندويتشات الرومي" رفيقتهم في رحلة الذهاب والعودة، فتقف إيمان المغربي، خريجة كلية التجارة جامعة عين شمس، بأحد مواقف الميكروباص، خلف "ترابيزة" صغيرة، مبتسمة، تجيب من يسألها عن أسعار "الساندويتشات" وتحرص على خلق علاقة طيبة مع المرتادين على الموقف والعاملين به، ما يجعلها تتمتع بدعم الكل تقريبا.
إيمان: درجاتي القليلة في ثانوية عامة بداية حلمي بالعمل في بنك
"بدأت الحكاية من سنين"، وفقا لإيمان، التي خلق لها الحصول على درجات قليلة بالثانوية العامة تحدي شبه مستحيل، عنوانه "هشتغل في بنك"، فالتحقت بمعهد سكرتارية وإدارة، تفوقت في عاميه، ما أهلها للالتحاق بكلية التجارة، التي وضعتها على أول "طريق الحلم"، فأخذت تدرس المحاسبة بنهم، وتستغل كل فرصة متاحة داخل وخارج حدود الجامعة، تجعلها خريجة ملمة باحتياجات سوق العمل، فتأخذ دورات تدريبية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ودورات لغة إنجليزية، لتتخرج، قبل سبعة أعوام، وتجد نفسها خارج حلبة التسابق الدراسي، في حياة عملية لم تضمن لها "اللغة" أو الإلمام بعلوم المحاسبة والإدارة والسياسة، مكانا، تحلم به، فيها.
"اليأس مش حل"، في أي مشكلة تواجهها إيمان، فعملت بأول شركة قبلتها، بعد التخرج، وقضت ستة أعوام بين شركات الاستيراد والتصدير ومكاتب السياحة والمحاسبة، لم تجد، فيها، لشغفها مكانا أو لجهدها عائدا ماديا يكفي سد حاجاتها، فقررت، قبل عام، أن تشارك في مشروع لتخزين الخردة، تصفه بـ"كان محكوم عليه بالفشل عشان فيه شركا وبلا دراسة لوضع السوق"، فخرجت إيمان من مشروع راهنت فيه على أموالها، بلا مصدر دخل، وبخيبة أمل تصفها بـ"خوفتني من مجرد التفكير في الخطوة اللي بعدها".
وفي الوقت الذي كانت تقيم فيه ببيتها، تنظر بحزن لسيرتها الذاتية، حيث المؤهلات التي لم توفر لها فرصة عمل تناسبها وتتجنب التفكير في فرصة بديلة خشية من ألا يحالفها الحظ مرة أخرى، وإذ بصديقة لها، تدرس بمعهد الفنون المسرحية وتحتاج لمصدر دخل يعينها على مواصلة الدراسة، تقدم لها الحل بكلمات "يلا نبيع ساندويتشات على الكورنيش"، الفكرة التي وقفت إيمان أمامها، تفكر في قيود المجتمع، ولكن بعد أيام قليلة، دفعها الاحتياج المادي، لتنفيذها، فنزلت برفقة صديقتها إلى "كورنيش التحرير"، تواجها برد ديسمبر، بـ"أكل بيتي نضيف".
إيمان: بعمل دراسة جدوى كل شهر لتطوير مشروعي
لم تدم طويلا، الرفقة التي كانت تشعِر "إيمان" بالألفة في مجتمع جديد عليها، فبعد أيام قليلة سافرت صديقتها وقرر أهلها التكفل بمصاريف دراستها، لتواجه "إيمان" البرد وحيدة وتنتقل إلى داخل "موقف ميكروباصات عبد المنعم رياض"، القريب من "الكورنيش"، وتتحمل مسئولية مشروع كانت تشارك فيه بتردد، وتبدأ في تطويره، والرهان على نجاحه، بدراسة جدوى تخصص لها بداية كل شهر، تدرس من خلالها العائد، وكيفية استغلاله في تطوير مشروعها، فبعد أن بدأ المشروع بـ"ترابيزة صغيرة" وحقيبة يد، تطور، بشراء إيمان ثلاجة محمولة، تخزن بها الطعام، وكرسي، تصفه بـ"بيرحمني من ساعات العمل الطويلة"، وتحولت أصناف الجبن القليلة إلى "تشكيلة متنوعة" من مختلف أنواع الجبن والخبز، التي تحرص على تطويرها بما يحافظ على علاقتها بأصحاب المحال المحيطة في "الموقف"، فأدخلت "البطاطس المحمر"، قبل أسابيع لتفاجأ بزميل يبيعها بمحل قريب، فمنعتها "من غير تفكير"، حرصا على علاقتها بـ"زملاء أكل العيش"، ممن تقضي معهم كل أيام الأسبوع من الصباح حتى المساء.
إيمان: حلمي يبقى عندي محل ولسا البنك حلم أمي
"حلمي يبقى عندي محل ولسا البنك حلم أمي"، تقولها إيمان، كلما يسألها أحد عن خطوتها القادمة، حيث ركزت كل جهودها في تطوير مشروعها واستغلال دراستها لتطويره إداريا وتجاريا، بينما تناست الحلم القديم، الذي تصف استحالة تحقيقه بـ"أنا خلاص داخلة على الثلاثين مفيش بنوك بتقبلني"، فيما لا يزال الحلم حاضرا في دعوات والدتها، ليلًا ونهارًا.
تعليقات الفيسبوك