برنامج الإذاعة لا ينقطع من الصباح إلى آخر السهرة
رمضان، بأيامه الجميلة ولياليه الحلوة، معناه راحة للناس، ومتاعب لرجال الإذاعة، فالبرنامج لا ينقطع ولا يتوقف طيلة اليوم، من الصباح إلى آخر السهرة..
والسهرة فى ليالى رمضان لا تنتهى كما تنتهى سهرات الشهور الأخرى، بعد الساعة الحادية عشرة بقليل، بل إنها تتصل إلى ما بعد منتصف الليل بكثير، وتمتد فى ليالى الجمعة، وليلة القدر، إلى مطلع الفجر، حيث يذاع الأذان والابتهالات.
كل هذا.. والمذيعون ساهرون، والمهندسون يعملون، وأكثر الناس نيام، أو مستلقون فى مخادعهم، لا يدركون أى عناء يحمله هؤلاء الساهرون.. من أجلهم.. أو من أجل لقمة العيش!
يفطرون على مكاتبهم
على أن متاعب رجال الإذاعة اليوم قد أصبحت أهون بكثير من ذى قبل، فقد كثر عددهم، ووزعت بينهم المواقيت والمسئوليات. أما فيما مضى، أعنى فى عهد شركة ماركونى، فإن موظفى البرنامج -الذين يزيدون اليوم على المائتين- كانوا لا يتجاوزون خمسة عشر موظفاً، وكان ستة منهم، هم: محمد فتحى، على خليل، عبدالحميد يونس، عبدالوهاب يوسف، حافظ عبدالوهاب، وكاتب هذه السطور، كانوا لا يبرحون مكاتبهم منذ مطلع الصباح إلى نهاية السهرة، وكانوا يفطرون معاً على مكاتبهم عند غروب كل يوم من أيام رمضان، أما السحور، فكانوا يتناولونه فى الطريق، وهم سائرون على أرجلهم، خشية أن يدق مدفع الرفع قبل أن يصلوا إلى بيوتهم!
7 قهوة للأستاذ نخلة!
وأذكر ذات ليلة أننا تأخرنا لإعداد برنامج هام فى اليوم التالى، ودق مدفع الرفع قبل أن ننتهى.. وأخيراً غادرنا مكاتبنا مع الخيط الأبيض.
وفى اليوم التالى، لم نحتمل الصوم مع هذا العناء والسهر والجوع، فأفطرنا..
وعندما اجتمعنا فى الصباح لاستكمال المهمة، وكان معنا زميل قديم، وهو الأستاذ شاكر نخلة، ألحت بنا الرغبة فى فنجان من القهوة، ولكننا خجلنا من الفراش العجوز الذى لم يشهد علينا إلا الصوم منذ سنوات طويلة، وأخيراً، استجمع الأستاذ حافظ عبدالوهاب كل شجاعته وناداه قائلاً:
- يا عم حسين.. سبع فناجين قهوة للأستاذ شاكر نخلة..
ربع ميزانية الإذاعة
وقبيل رمضان بعدة أسابيع، ينشط كل موظف من موظفى الإذاعة لإعداد كشف طويل بكل ما فى جعبته من التسجيلات القديمة، يستخرجها من المخازن ومكتبة الأسطوانات ومكتبة الأشرطة، ويقوم باختيار ما يصلح منها لأيام الشهر المبارك.
وميزانية شهر رمضان، شىء آخر غير ميزانيات الشهور الأخرى بالمرة، وحسبك أن تعلم أن 25 فى المائة من ميزانية الإذاعة فى العام كله ترصد لبرامج رمضان وحده!
ذلك أن القرآن الكريم يقدم عدة مرات فى كل يوم..
وهناك ثلاثة أحاديث دينية يومياً..
وهناك أغنيات كثيرة لا تصلح للإذاعة فى رمضان، إذ لا تتفق مع التوقير الواجب له، وهذه يجب أن ترفع من البرنامج طوال الشهر، ويجب أن يسد هذا الفراغ بأغنيات جديدة..
والإذاعة مستمرة من الصباح إلى قرب الصباح التالى، فساعات العمل أكثر، والساعة المذاعة تتكلف أحياناً مائة جنيه.. وأحياناً أكثر من ذلك!
كل هذا، إلى جانب استهلاك الكهرباء والآلات، مع ملاحظة أن برامج رمضان تكون فى العادة أرفع درجة وأكثر تكلفة من برامج بقية العام.
فيم هذه التكاليف؟
ولكى نعطى للقارئ فكرة عن ميزانية رمضان فى الإذاعة، نقول إن قارئ الذكر الحكيم من الدرجة «أ» أجره عشرون جنيهاًً، ومن الدرجة «ب» أجره 18 جنيهاًً، ومن الدرجة «جـ» أجره بين 10 و15 جنيهاً، أما الحديث الدينى، فأجره ثلاثة جنيهات إن كان مداه خمس دقائق، وسبعة جنيهات إن كان مداه عشر دقائق.
وأما الأحاديث العادية «أى غير الدينية» فأجورها تختلف باختلاف درجات المتحدثين، وهى تقاس بدرجاتهم الحكومية أو الجامعية، وفقاً للنظام التالى:
أستاذ 10 جنيهات.
أستاذ مساعد 7 جنيهات.
مدرس 5 جنيهات.
معيد 3 جنيهات.
أما أغانى الأفلام، فإنها تذاع مجاناً، فيما عدا أغانى الآنسة أم كلثوم والأستاذ محمد عبدالوهاب، وأغانى الأفلام التى ينتجها الأستاذ أنور وجدى!
وأما الأسطوانات التجارية، فتتكلف الساعة منها مبلغاً يتراوح بين 3 جنيهات و20 جنيهاًً.
وتعتبر القصائد الدينية التى تشدو بها أم كلثوم، وهى نهج البردة، والهمزية النبوية، و«سلوا قلبى» و«عرفات» أهم أغنيات رمضان، وتذاع واحدة منها كل ليلة بالتوالى.
وتليها فى الأهمية التواشيح والقصائد الدينية، وهى اللون الوحيد من الغناء، الذى يذاع غير مصحوب بموسيقى، وتملك الإذاعة تراثاً جميلاً من هذا اللون، من تسجيلات المرحوم الشيخ على محمود ثم تسجيلات المرحوم الشيخ محمود صبح، أما الأحياء
ثم تختتم ليالى الشهر المفضل بعيد الفطر السعيد، وله فى برامج الإذاعة قصة أخرى نرويها فى موعدها.
وكل عام وأنتم بخير.
كل شىء والدنيا 1935
تعليقات الفيسبوك