مشروع الطبخ يجمع زينب وحماتها
بحثت عن نقطة تلاقٍ تجمع بينها وبين والدة زوجها، أرض مشتركة تبنى عليها انسجاماً يشملهما، ووجدت ضالتها سريعاً، حب الطبخ، كان لغتهما المشتركة، ونجحت فى استغلال ذلك لتحوله إلى فكرة مشروع يدر دخلاً مادياً، هكذا بدأت «زينب خالد» مشروعها من المنزل.
بعدما تخرجت «زينب» فى كلية الآداب جامعة الأزهر، تخصص علم نفس، اجتاح الفراغ حياتها، وكانت تقضيه بتطبيق كل ما تقع عليه عيناها من وصفات طبخ مختلفة، كذلك كانت والدة زوجها تعشق المطبخ وتقضى معظم وقتها فيه، تتسم حماتها بمهارتها فى الطبخ، وطالما حلمت بتطوير الأمر بحيث لا يقتصر على أفراد عائلتها الصغيرة، وهو ما شجعتها عليه زينب، فبدأتا بإنشاء جروب على موقع «فيس بوك»، أعلنتا فيه قيامها بتقديم كافة الوجبات والأطعمة الجاهزة من حلويات وأكل بيتى والعزومات كذلك: «الفكرة فى الأصل إننا نلاقى حاجة نشغل بيها الوقت، اتفاجئنا بالإقبال، فى أقل من 10 شهور وصلنا فى الجروب لـ7 آلاف مشترك، وعدد الطلبات فى ازدياد مستمر».
حرصتا على كسب ثقة زبائنهما، وركزتا على الجودة مع وضع تسعيرة معقولة ومناسبة لما تقدمه من وجبات: «اللى بيجربنا مرة بياخد مننا على طول، فى الأول كنا بنقدم الحلويات وبعدين بقينا نعمل أكل بيتى ولحوم، بشترى الطلبات طازة وأضيف عمايل إيدينا حاجة بسيطة وخلاص»، تؤكد أن الهدف الأول من مشروعهما هو حُب ما تفعلانه أكثر منه رغبة فى التجارة أو الربح المادى.
لا يقتصر زبائن زينب وحماتها على الرجال العزاب، أو السيدات العاملات فقط، بل تضم قائمة أفضل زبائنها ربات منزل غير عاملات لكنهن عشقن «نفسها» فى الطبخ، فى البداية كانت تعتمد على توصيل الطلبات بنفسها إلى مكان الزبون، لكن مع مرور الوقت، وازدياد الإقبال عليها أوكلت مهمة توصيل الطلبات إلى إحدى جاراتها بمقابل مادى: «بنوصل لأى مكان داخل القاهرة والجيزة، ولو حد من المحافظات وحابب يجرب أكلنا بييجى ونقابله فى أقرب محطة مترو».
"نعمة" وجدت نفسها بلا عائل بعد غياب زوجها فوجدت ضالتها فى المطبخ: "بدأت بزبونة واحدة"
تعتاد زينب على تنظيم الوقت وتحسن إدارته منذ كانت فى الجامعة تدرس فى سنتها الثالثة، وهى متزوجة ولديها ابن ترعاه وكانت تجمع بين مختلف تلك النشاطات بتوازن معقول: «أنا وحماتى شركاء فى كل حاجة، بس أنا اللى متابعة الجروب وماسكة التليفون وبنظم الطلبات علشان هى ما بتعرفش تقرأ أو تكتب». لا تأخذان «إجازة» فهما فى حالة عمل متواصل لما يسيطر عليهما من إحساس بممارسة موهبتهما المفضلة: «مش بنعتبره شغل قد ما بنعمله بحب وضمير، وفى آخر الشهر كده كده الطلبات بتقل شوية، فده بيبقى وقت مناسب نرتاح فيه».
تتلقى «زينب» طلبات العزومة قبل الميعاد بيومين على الأقل، أما بقية الطلبات العادية فيكفيها يوم واحد فقط: «لو صادف اتطلب منى كذا أوردر فى نفس الوقت، بخلى حد من جيرانى يساعدنى بس تحت إشرافى فى النهاية»، لا تستعمل أدوات خاصة أو تجهيزات إضافية: «باستخدم أدوات مطبخى ومطبخ حماتى وبوتاجاز كهرباء، فى المستقبل هنخصص شقة للمشروع»، مع حرصها على الجودة والسرعة تحرص كذلك على إيصال الطعام لأصحابه ساخن: «بقفل على الأكل كويس جداً بالأطباق الألومونيوم، وأفراخ الستريتش الحافظة للحرارة، وبقفل عليه النار قبل ميعاده بدقايق، يادوب مسافة السكة».

المحاشى هى أكثر ما يطلب منها: «ده كل يوم لازم يتطلب مننا المحشى، وفى الحلويات الكحك والبيتيفور والمعجنات عموماً»، لا تعجز أمام أى من الوصفات حتى الغريبة أو الجديدة من بينها: «النت ما خلاش حاجة، حتى لو حاجة ما عملتهاش قبل كده بتفرج على طريقتها وأقلدها، اتطلب منى قبل كده كيكة الروانى ودى كيكة بالبسبوسة جربتها ليّا وصورتها ولما عجبت الزبونة عملتهالها تانى». ترفض «زينب» تلقى عربوناً قبيل تسليم الطعام: «طلبات عزومة ممكن تزيد تكلفتها عن 1000 جنيه ما باخدش جنيه غير وقت تسليم الأكل، وزباينى كلهم ملتزمين معايا الحمد لله».
أما نعمة عبدالرازق، 37 عاماً، فوجدت نفسها فجأة بلا عائل، بعدما غاب زوجها، لم تجد حيلة أمامها لكسب الرزق، ولا تعرف كيف تخلق لنفسها مصدراً للربح المادى كى تنفق على أولادها الأربعة، وهى التى لم تخض تجربة العمل من قبل أبداً فى أى مكان بعدما تخرجت فى المعهد الفنى التجارى قسم المحاسبة: «فجأة لقيت نفسى من غير زوج ولا حقوق ولا مصاريف أو نفقات ولا أى مصدر للدخل، وماكنتش عمرى اشتغلت فى حياتى قبل كدا»، تجلت بداخلها عاطفة الأمومة، تجلدت وأخذت تسأل نفسها مراراً: «ماذا أجيد؟»، «فى أى مجال يمكننى العمل دون هجر أولادى الذين لم يعد لهم راعٍ غيرى؟»، قفزت إلى ذهنها الإجابة جلية واضحة، بدأت تصنع الطعام فى البيت وتعرض على جيرانها ومرتادى منطقة سكنها أنها تبيع تلك المأكولات.
تقيم «نعمة» فى «الكيلو 4 ونص» بعزبة الهجانة طريق السويس، تقول: «فى الأول ماكنتش عارفة أتصرف من المفاجأة، أخويا سلّفنى 1000 جنيه عشان أبدأ أشتغل بيها أى حاجة، لحد ما الدنيا تمشى»، اختارت الطبخ لأنها تجيده: «والدى كان شيف فى السعودية، فبحب الطبخ جداً، ودى أكتر حاجة أنا شاطرة فيها، بدأت من شهرين أعرف الناس حواليا»، لم يلق مشروعها إقبالاً فى البداية، لأن عدد معارفها محدود: «بدأت بزبونة واحدة عملت لها الأكل وعجبها، فعرّفت واحدة تانية ولما لقيته كويس قالت للى بعدها وهكذا».
بدأت «نعمة» بعمل الحلويات، ثم أخذت تقدم كل أنواع الأكلات: «أكتر حاجة بتطلب منى هى المكرونات والمحاشى، وبشتغل بالأوردر، اللى بيتطلب منى بنزل أجيب طلباته، وأضيف عمايل إيدى وأبلغ الزبون بالتكلفة النهائية»، تضيف مبلغاً بسيطاً على تكلفة أى أكلة تقدمها: «بحط 20 جنيه بس على شغل بيتطلب منى». تعتمد أحياناً على أولادها فى مساعدتها فى بعض الأعمال البسيطة: «أكبرهم فى الصف الخامس الابتدائى، الولاد فى البيت متحمسين وبيساعدونى لما بيبقى فيه شغل»، تواجهها عقبة قلة الطلب عليها لمحدودية علاقاتها: «كل 10 أيام على ما يبقى فيه أوردر، والجمهور الأول من الجيران والمنطقة، وما بفهمش فى السوشيال ميديا»، نصحها المقربون بإنشاء صفحة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» لعرض صور الأكلات التى تصنعها وتعتبرها وسيلة للدعاية لها: «ما بفهمش فى النت أوى والصفحة مش عارفة أتابعها أو أنشّطها، التسويق يعتبر أصعب حاجة بتواجهنى».
تعليقات الفيسبوك